كتاب الحث على التجارة والصناعة والعمل
والإنكار على من يدّعي التوكل في ترك العمل
والحجة عليهم في ذلك
تصنيف أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ﵀
من مسائل الإمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ﵁ وأرضاه
(٢٣٤ - ٣١١ هـ)
اعتنى به
فواز محمد العوضي
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤ رجب ١٤٤٣ هـ
١٥/ ٢/ ٢٠٢٢
للتواصل: fmd ١٤٣٠@gmail.com
ردمك:
ISBN: ٩٧٨ - ٩٩٢١ - ٠ - ٢١٣٥ - ٦
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ..
فهذا كتاب الخلال رحمه الله تعالى ذكر فيه الأحاديث والآثار عن الصحابة ﵃ والتابعين ومن جاء بعدهم فيما يتعلق بالحث على كسب الرزق والنهي عن سؤال الناس، وردّ فيه على المتصوفة والمتزهدة والمتعبدة الذين انحرفوا عن هدي النبي ﷺ وهدي الصحابة ﵃ في فهم حقيقة ما بعث الله به نبيه ﷺ في حثه على الكسب وطلب الرزق، وتحذيره من سؤال الناس.
وقد بايع النبي ﷺ الصحابة ﵃ على أن لايسألوا الناس شيئًا (^١) وما من نبي من الأنبياء إلا ويقول لقومه: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٤٥]، فلا يطلبون من الناس أجورًا وأموالًا بل يطلبون منهم الاهتداء.
وقد انحرف في هذا الفهم طوائف، منهم من سلك سبيل أكل أموال الناس بالباطل في صورة التبرعات والصدقات، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤]، قال شيخ الإسلام
_________
(^١) رواه مسلم (١٠٤٣).
1 / 3
ابن تيمية ﵀ في تفسير هذه الآية: وبهذا يتبيَّن أن كثيرًا من الأحبار والرهبان والعلماء والعُبَّاد يأكلون أموالَ الناسِ بالباطل، ويَصدُّون عن سبيل الله، وأن العالم الذي يعتقد الاعتقادَ في المسائل الخبرية والعلمية والعابد الذي يتعبَّدُ لنفسه إن لم يَسلُكا السبيلَ المشروعة وإلّا كان كلٌّ منهما متبعًا لهواه (^١).
ولهذا قال سفيان بن عيينة: كانوا يقولون من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى (^٢).
ولذا تجد كثيرًا من هذه الجماعات الحركية الإسلامية السياسية يتنافسون في جمع الصدقات، وقد أفتوا بفتاوى باطلة، فمنهم من يُجيز الاستثمار في الزكاة، ومنهم من يجيز دفع الزكاة للانتخابات، ومنهم من يجيز بناء المساجد والمدارس بأموال الزكاة، وهناك من العلماء من ينتظر نسبته المالية من جمع الصدقات.
ومن تلك الطوائف أناس سلكوا مسلك طلب العلم وتركوا طلب الرزق ظنًا منهم بأن طلب الرزق يعارض طلب العلم، أو فيه تنقص في وصف طالب العلم، أو يعتقدون أن لهم حق في أموال الناس، فينتظرون من يتصدق عليهم.
وهؤلاء أشبه بالعُبّاد المتصوفة، فمن نظر إلى حال الصحابة ﵃ عرف بطلان ما عليه هؤلاء.
_________
(^١) جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص ٩٩).
(^٢) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ١٩٧).
1 / 4
فهذا المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ يتناوب هو والأنصاري في طلب الرزق (^١).
وهذا عبد الرحمن بن عوف ﵁ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول: دلوني على السوق (^٢).
فمن أخذ بسنن النبي ﷺ واهتدى بهدي الصحابة ﵃ في طلب الرزق والتجارة أغناه الله تعالى عمّا في أيدي الناس.
ولشيخنا محمد العنجري حفظه الله ووفقه إلى كل خير جهود كبيرة في إبراز هذا الموضوع، وله شرحٌ على هذه الرسالة.
فنسأل الله تعالى أن يُغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه، وأن يُبصّرنا أمر ديننا، ويهدينا إلى صراطه المستقيم.
وصف النسخ الخطية:
الأولى: نسخة واضحة ضمن مجموع من المكتبة الظاهرية برقم (٣٨٥٤) أوراقها (٢٥ - ٤٠) برواية موفق الدين ابن قدامة المقدسي سُمعت منه سنة ٦١٤ هـ وهي من أصح النسخ، وعليها سماعات كثيرة، وهي نسخة كاملة، فكان الاعتماد عليها. ولدى وزارة الأوقاف الكويتية صورة منها برقم (٦٩٤٤٧/ ٧) ورمزتها بالأصل.
_________
(^١) رواه البخاري (٤٩١٣)، ومسلم (١٤٧٩).
(^٢) رواه البخاري (٢٠٤٩).
1 / 5
الثانية: نسخة واضحة ضمن مجموع من المكتبة الظاهرية برقم (٣٨٥٢) أوراقها (١٠١ - ١١٣) برواية عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، سمعها عبد الغني من عبد الله بن منصور الموصلي في سنة ٥٦٤ هـ، وقد سقط منها اللوحة الأخيرة من الرسالة، ولدى وزارة الأوقاف الكويتية صورة منها برقم (٦٩٤٤٥/ ٦) ورمزتها بـ (ظ). وقد جاء في عنوان الرسالة لفظ (الرد) بدل (الإنكار).
الثالثة: نسخة واضحة ضمن مجموع مصورة من وزارة الأوقاف الكويتية برقم (٣٤٥/ ٦) ونسخة كاملة كتبت سنة ١٣٣٣ هـ. وفي اسم المؤلف زيادة لفظ (الإمام المبجل).
الرابعة: نسخة واضحة مصورة من مكتبة برلين برقم (١٨٠٧) وهي نسخة كاملة كتبت سنة ١٣٣٥ هـ. وفيها أخطاء وسقط.
الخامسة: نسخة ضمن مجموع مصورة من جامعة الملك سعود بالرياض برقم (١٩٢٨) وهي نسخة كتبت سنة ١٣٣٩ هـ، وهي نسخة كاملة، وفيها طمس كثير.
وهذه النسخ الثلاث الأخيرة تم نسخها من نسخة الأولى برواية ابن قدامة.
وسوف أشير إلى الزيادات المهمة وتغاير النسخ إذا احتيج إلى ذلك.
وهناك طبعتان للرسالة: طبعة العاصمة سنة ١٤٠٧ هـ، ودار البشائر الإسلامية سنة ١٤١٥ هـ، نبهت على بعض الأخطاء الواقعة فيهما.
وترجمت لبعض الرواة مما يحتاج إلى معرفتهم.
1 / 6
وما كان من حديث أو أثر صحابي جاء في الرسالة فقد بينت حكمه من حيث إسناده.
[صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية الأولى (الأصل)]
1 / 7
[صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية الثانية (ظ)]
1 / 8
[صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية الخامسة (جامعة الملك سعود)]
1 / 9
[صورة الصفحة الأولى من النسخة الخطية الرابعة (برلين)]
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - أخبرنا جدِّي الإمامُ الأوحدُ العالم الموفَّق أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيُّ ﵁، قراءةً عليه وأنا أسمع غيرَ مرة بظاهر دمشق، في سنة أربعَ عشرة ثم في سنة عشرين وست مائة، قال: أنا أبو محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي في ذي القعدة من سنة أربع وستين وخمسمائة، أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد القاسم الصيْرَفي قراءةً عليه وأنا أسمع أنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الآزجي في جمادى الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة أنا: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يَزْدَادَ بن معروف، والفقيه المعروف بغُلام الخلال إجازة قال الآزجي: وقُرِئ على أبي القاسم إبراهيم بن محمد بن جعفر الساجي وأنا أسمع، ثنا أبو بكر عبد العزيز قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ثنا أبو بكر المروذي (^١) قال: سمعتُ رجلًا يقول لأبي عبد الله ﵀: إني في كفاية فقال: «الزَم السُّوق، تصلُ به الرَّحِمَ وتَعودُ به» (^٢).
_________
(^١) في طبعة العاصمة: المروزي. وهو خطأ وقد جرى محققه على ذلك. انظر طبقات الحنابلة (١/ ١٣٧)، وقال ابن ماكولا في الإكمال (٧/ ٢٤٠): باب المروزِيّ والمروذِيّ: أما المروزي بالزاي فكل من ينسب إلى مرو الشاهجان وهم كثيرون منهم عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل ويحيى ابن معين، وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن أبي إسرائيل وسويد بن نصر، والنضر بن محمد وخلق كثير ولهم تواريخ. وأما المروذي بالذال المعجمة فنسبه إلى مرو الروذ وأكثر ما يقال فيه المروروذي، وربما قيل فيه المروذ منهم أبو حامد أحمد بن بشر بن عامر المروذي العامري، الفقيه صاحب التصانيف على مذهب الشافعي.
(^٢) انظر كتاب التوكل لأبي يعلى (ص ٥٥) وفي حلية الأولياء (٣/ ١١) عن حماد بن زيد قال: قال لي أيوب: الزم سوقك فإنك لا تزال كريما على إخوانك ما لم تحتج إليهم. وفي شعب الإيمان (٢/ ٤٥١) عن أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة: الزم سوقك فإن فيه غنى عن الناس وصلاحا في الدين.
1 / 11
٢ - (حدثنا عبد العزير بن جعفر، قال حدثنا الخلال) (^١) وأخبرنا أبوبكر (المروذي) (^٢) قال: قال رجل لأبي عبد الله ﵀ من أصحاب ابن أسلم: ترى أن أعمل؟ قال: «نعم، وتصدق بالفضل على قرابتك» (^٣).
٣ - وأخبرنا أبو بكر المروذي، قال: سمعتُ أبا عبد الله ﵀، يقول: قد أمرتُهم يعني لِوَلَدِهِ أن يختلفوا إلى السوق، وأن يَتَعَرَّضُوا للتجارة، وقال: قد رُوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي ﷺ أنه قال: «إنَّ أطيَبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسبِه» (^٤).
٤ - أخبرني محمد بن الحسين، أن الفضل بن زياد حدثهم قال: سمعتُ أبا عبد الله يأمُرُ بالسوقِ ويقول: «ما أحسَنَ الاستغناءَ عن الناس» (^٥).
_________
(^١) ما بين القوسين من (ظ) وبرلين والأوقاف.
(^٢) زيادة من جامعة الملك سعود.
(^٣) زاد في الفروع لابن مفلح (٦/ ١٨٠): وتعد به على نفسك.
(^٤) حديث حسن بشواهده: رواه أحمد (٤٠/ ٣٤) وأبو داود (٣٥٢٨) والترمذي (١٣٥٨) والنسائي في الكبرى (٦٠٠٠) وابن ماجه (٢٢٩٠) وغيرهم، من طريق عمارة بن عمير، عن عمته، أنها سألت عائشة ﵂، وهذا السند ضعيف لجهالة عمة عمارة، وله سند آخر من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة به، أخرجه أحمد (٤٠/ ١٧٩)، وابن ماجه (٢١٣٧) وغيرهما، قال سفيان الثوري - كما في مقدمة الجرح والتعديل (١/ ٦٩) -: هذا وهم. ووافقه أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (١٣٩٦)، وقال البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٤٨٠): وهو بهذا الإسناد غير محفوظ. وصححه الألباني في سنن أبي داود. وللحديث أصل في صحيح البخاري (٢٠٧٢) عن المقدام ﵁، عن رسول الله ﷺ، قال: «ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود ﵇، كان يأكل من عمل يده».
(^٥) روى ابن أبي شيبة (١٠٧٦٥): عن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء: إذا احتجت بعدك، آكل الصدقة؟، قال: لا، اعملي وكُلي. قالت: إن ضعفت عن العمل قال: التقطي السنبل، ولا تأكلي الصدقة.
1 / 12
٥ - أخبرني محمد بن موسى قال: سمعتُ علي بن جعفر قال: مَضَى أبي إلى أبي عبد الله ﵀ وذهب بي معه، فقال له: يا أبا عبد الله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: «أَلزِمْه السُّوق، وجَنِّبْه أقرانَه» (^١).
٦ - أخبرني زكريا بن يحيى أبو يحيى الناقد قال: سألت أبا عبد الله ﵀ قلتُ: إني أعمَلُ بِكِريّ، وأبوايَ يُريدونِي على أَخْذِ دُكَّانٍ لنفسي، قال: «فخُذْ دُكَّانًا، تكونُ جنازة، يكون مريضٌ» قلت: هو عَمَلٌ شاق، والشريكُ أعني لا يقوم، قال: «فترجعه». قال زكريا بنُ يحيى: يعني في هذا كلِّه أنه يَحُثُّ على العملِ والتجارةِ.
٧ - أخبرني عبد الملك الميموني، أن أبا عبد الله ﵀ قال: «قال رجل للسرِيّ بن يحيى وكان يتَّجِرُ في البحرِ: ترْكَبُ البحر في طلب الدنيا؟! قال: أُحِبُّ أن أستغنيَ عن ضربِكَ (^٢) من الناس» (^٣).
٨ - أخبرني يوسف بن موسى، قال: قيل لأبي عبد الله ﵀: قال طاووس: اللهم امنعني المالَ والولدَ (^٤)، قال: «قد رُوي هذا
_________
(^١) روى عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح (٧/ ٣٨٧) عن ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول: ليؤاجر الرجل ابنه في العمل إذا كان أبوه ذا حاجة.
(^٢) في نسخة برلين: أضرابك.
(^٣) وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله (٢/ ٤٢): .. عن سعيد بن المسيب: كان أصحاب النبي ﷺ يتجرون في البحر إلى الروم منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد. وقال سمرة: كان أصحاب رسول الله ﷺ يتجرون في البحر، إلى الشام. رواه الطبراني في الأوسط (٣٣١٧)
(^٤) قول طاووس: أخرجه ابن أبي شيبة (١٠/ ١٩٢) وزاد: وارزقني (الإيمان) والعمل. كما أشار المحقق في الحاشية في بعض النسخ. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٩) بلفظ: اللهم احرمني كثرة المال والولد.
1 / 13
عن طاووس؛ من كان مثل طاووس؟» ثم قال: «الغنى من العافية» (^١).
٩ - أخبرني يعقوب بن يوسف (أبو بكر) (^٢) المطوعي، قال: سمعتُ أبا بكر بن (جناد) (^٣)، يقول: سمعتُ الجصاصي (^٤)، قال: سألت أحمدَ بن حنبل ﵀ فقلت: أربعةُ دراهم: درهمٌ من تجارةٍ بَرَّةٍ، ودرهمٌ من صلةِ الإخوان، ودرهمٌ من أجرة التعليم (^٥)، ودرهمٌ من غَلَّة ِ بغداد؟ فقال: أَحَبّها إليَّ من تجارةٍ بَرَّةٍ، وأكرَهُها عندي الذي من صلة الإخوان، وأما أجرة (التعليم) (^٦)؛ فإن احتاج فليأخُذْه (^٧)، وأما غلَّةُ بغداد فأنت تَعرِفُها، ايش تسألني عنها؟ (^٨).
١٠ - أخبرني عبد الملك الميموني، قال: قال لي أبو عبد الله ﵀، وحَثَّني على (لزوم) (^٩) الضَّيْعَةِ، وقال: «ما أضيَعَ الضيعةَ إذا لم يكن
_________
(^١) روى ابن أبي شيبة بسند صحيح (٢٢٦١٤) قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن زيد، عن أيوب، قال: كان أبو قلابة يحثني على الاحتراف والطلب، وقال أبو قلابة: الغنى من العافية.
(^٢) سقط من (ظ).
(^٣) المثبت من (ظ) وهو الصحيح، وأما باقي النسخ فجاءت باسم الخباز وهو تصحيف.
(^٤) هو موسى بن عيسى الجصاص البغدادي. طبقات الحنابلة (٢/ ٤٠٣)
(^٥) في الأصل: المعلم
(^٦) المثبت من (ظ). وفي باقي النسخ (المعلم التعليم) ولفظة (على) جاءت من مصحح نسخة برلين.
(^٧) روى بإسناد صحيح: عبد الرزاق الصنعاني (٨/ ١١٥) واللفظ له: عن الثوري، وابن أبي شيبة (٧/ ٢١٨) عن ابن علية، كلاهما: عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: «كان أصحاب محمد ﷺ يشددون في بيع المصاحف ويكرهون الأرش على الغلمان في التعليم»، ولفظ ابن أبي شيبة: يكره أرش المعلم، فإن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يكرهونه ويرونه شديدا.
(^٨) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (١/ ٢٩٤)
(^٩) المثبت من (ظ)، وفي الأصل: كري. وفي نسخة الأوقاف: (على كد)، وفي نسخة الجامعة الملك سعود: (على كد في) وفي برلين بتصويب المصحح: (على تعهدي).
1 / 14
صاحبُها يقربها» قلت: إني لم أعمر ضيعتي منذ فارقتك فرارًا من السلطان وكراهيةً له، وشَكَيتُ (^١) له بعض ما عرفته من الدَّيْنِ والضيق (^٢)، فقال لي: «كيف تَصنعُ إذا لم يكن لك منه بُدّ؟» ثم قال لي: «ليس هاهنا إلا أنك تدعو له» قلتُ: فمِن ذلك (^٣) بُدّ؟ قال: «فكيف تصنع؟» ورأيت (^٤) أكثرَ أمرِهِ التسهيلَ فيه والرخصة.
قال: وقال أبو عبد الله ﵀ يومًا مبتدئًا: «يا أبا الحسن، استغْنِ عن الناس بجهدك، فَلَمْ أرَ مثل الغِنَى عن (^٥) الناس» قلتُ: ولِمَ ابتدأتَني بهذا؟ قال: «لأنه إن كان لك شيء تُصلِحُه وتكونُ فيه، وتُصلِحُه وتستغني به عن الناس، فإن الغنى من العافية».
فحثَّني غيرَ مرةٍ على الإصلاح، والاستغناء بإصلاح ما رُزقتُ عن الناس، فإن الغنى من العافية، وأقبل يُغَلِّظُ الحاجةَ إلى الناس. قلتُ: إن ضَيعتَنا من الرقة على أيام، وفيها دَيْرُ نصارى مُعتَزِلٌ من الناس، ليس فيه إلا نفرٌ يسير من النصارى وبقربه مدينة، فقال: «أي مدينة هي؟» قلتُ: فإن لها مؤذنا، قال: «من الشام؟» قلتُ: لا، من الجزيرةِ ناحيةَ رأس العَين، قال: «فذا موضعٌ صالح يعني الدير». قلتُ: إنما شغل قلبي بشيء واحد، أنَّ الدير (^٦) معتزلٌ عن الناس، وأنا إنما أُحِبُّ العُزلة، وليس فيه إلا نصارى، وإنما كرهتُ
_________
(^١) في (ظ): وحكيت.
(^٢) في نسخة برلين: التضيق.
(^٣) المثبت من (ظ) وفي الأصل: ذاك.
(^٤) المثبت من (ظ) وفي الأصل: أراه.
(^٥) المثبت من (ظ) وفي الأصل وبرلين: في.
(^٦) المثبت من (ظ) وفي الأصل: الزم.
1 / 15
فيه (^١) أن إذا أردتُ أن أصلِّي لم أجد أحدًا أُصلي معه، قال لي: «فإذا حضَرت الصلاةُ فأذِّن وأقِم، فإن جاءك أحدٌ وإلاَّ فصلِّ».
قال عبد الملك: فاستحسن أبو عبد الله ﵀ هذا الموضع واشتهاه لي، ورأيتُ السرور فيه بيِّنا لما وصفتُ له من ذلك ومن عُزلته. قلتُ: فإنَّ المدينةَ مني على رأس ميل يمكنني الدخول إلى الجمعةِ والصلوات في سائر الأيام في الدّير، فقال لي: «في هذا الموضع إذا لم يكن لك من يصلي معك؛ فما تصنع؟ فأذِّن وأقِم وصلِّ وحدَك»
قال عبد الملك: وكنتُ أَرَى أبا عبد الله يقومُ ويَعملُ بِيَدِهِ الشيء (^٢)، ويُصلِحُهُ ويَتَعَاهَدُ مَنازِلَهُ قال: ودخلتُ على أبي عبد الله ﵀ مرارًا بيتًا، فرأيتُه ضَرَبَ بيده إلى أرضه، فَسوى (^٣) تُرَابَهُ بيده.
١١ - أخبرني محمد بن موسى، قال: سمعتُ أحمدَ بن عبد الرحمن البزوري (^٤) يقول: قال لي أبو عبد الله رحمه الله تعالى سنةَ (^٥) تسع عَشْرَةَ، حين قَدِمَ المعتصمُ، أتيتُهُ وهو يعملُ بيده شيئًا يرمه بِطِين أي (^٦) هذا ويشير إلى السكان (^٧)، كأنه يعني يرمه للكري.
١٢ - أخبرني زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل ﵁ قال:
_________
(^١) المثبت من (ظ) وفي الأصل: منه.
(^٢) في نسخة برلين: العشاء. وفي نسخة الأوقاف وجامعة الملك سعود: العشي.
(^٣) في النسخة برلين: فشرى. والمثبت من باقي النسخ.
(^٤) في جميع النسخ والمطبوعتين: الزهري. والتصحيح من تاريخ بغداد (٥/ ٤٠٦) وطبقات الحنابلة (١/ ١٢١).
(^٥) المثبت من (ظ)، وفي باقي النسخ: سبع.
(^٦) في نسخة برلين: من.
(^٧) في نسخة برلين: إسكان.
1 / 16
سمعتُ أبي قال: «كان ربما أخذ القدومَ وخرج إلى دارِ السكَّان يَعملُ الشيء بيده».
١٣ - أخبرني محمد بن أبي هارون (^١)، أن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ حَدَّثَهُم قال: قال لي أبو عبد الله ﵀: «قليلُ المالِ تُصلِحُهُ فَيَبْقَى (^٢)، ولا يَبْقَى الكثيرُ مع الفَسَادِ».
١٤ - أخبرنا هارون بن زياد (^٣)، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: «الخُرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقل شيء مع الإصلاح ولا يبقى شيء مع (^٤) الفساد» (^٥).
١٥ - أخبرني حربُ بن إسماعيل، ثنا المسيب بن واضح، قال: قال أشعث (^٦) يعني ابن شعبة، قلتُ لإبراهيم بن أدهم: أَكْرِي نفسي في السوق وتَفُوتُنِي الصلاةُ في الجماعة، قال: «اكْرِ نفسَك إلى حين (^٧)، واستغْنِ عن الناس، وصلِّ الصلوات للوقت».
_________
(^١) هو محمد بن موسى بن يونس. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (٤/ ٣٩٣).
(^٢) سقط من (ظ).
(^٣) هو هارون بن يوسف بن هارون بن زياد أبو أحمد المعروف بابن مقراض الشطوي. انظر تاريخ بغداد (١٦/ ٤٣)، وتهذيب الكمال في ترجمة محمد بن يحي بن أبي عمر، ممن روى عنه.
(^٤) في الأصل: على.
(^٥) إسناده ضعيف، حميد بن عبد الرحمن لم يسمع عمر. انظر تهذيب التهذيب (٣/ ٤٥).
(^٦) في نسخة برلين: أشعرنا بن المشعث. وفي نسخة الأوقاف وجامعة الملك: أشعث بن شعيب.
(^٧) في نسخة (ظ): مصر، والمثبت من باقي النسخ.
1 / 17
١٦ - أخبرنا أبو بكر المَرُّوذي قال: سمعتُ أبا جعفر الخراساني (^١) قال: سمعتُ شُعَيبًا يقول: قلتُ لسفيان الثوري: ما تقول في رجلٍ قَصَّارٍ، إذا اكتَسَبَ الدرهمَ - كان في الدرهمِ ما يَقُوتُهُ ويَقُوتُ عِيَالَه - لم يدرك الصلاةَ في جماعةٍ، فإذا اكتسب أربعة دوانيق، أدركَ الصلاةَ في جماعةٍ، ولم يكن في الأربعة دوانيق ما يَقُوتُهُ ويقوت (^٢) عِيالَه، فأَيُّهَما أَفْضَلُ؟ قال: «يَكْسِبُ الدرهمَ ويُصَلِّي وحدَهُ أفضَل» (^٣).
١٧ - أخبرني أبو بكر المَرُّوذي قال: قلتُ لأبي عبد الله: سفيانُ الثَّورِي في أيِّ شيءٍ خَرَجَ إلى اليمن؟ قال: «خَرَجَ للتجارةِ وللقي مَعْمَر» قالوا: كان له مائة دينار، قال: «أما سبعون فصحيحة» (^٤).
١٨ - أخبرنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي (^٥)، ثنا المسيب بن واضح قال: قال لي يوسف بن أسباط: «مات سفيانُ الثوري وخلَّفَ مائتي دينار» قلتُ له: ومن أين كان له مائتي دينار وهو كان (^٦) زاهد العلماء؟
_________
(^١) هو محمد بن هارون بن إبراهيم. صرّح المروذي باسمه في كتابه أخبار الشيوخ. وانظر ترجمته في تهذيب الكمال.
(^٢) في نسخة برلين: بقية.
(^٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٧/ ١٦)، والدينوري في المجالسة (٢٩٥٢) بزيادة في آخره: .. ويصلي وحده أفضل لكي لا يضيع عياله. ا. هـ. وروى أبو نعيم في الحلية (٧/ ١٥) عن سفيان الثوري أنه قال في قوله ﴿لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله﴾ الآية: كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة. وروى البيهقي في الزهد الكبير (٩٣٨) عن سفيان الثوري أنه قال لشعيب بن حرب: انظر درهمك من أين هو؟ وصل في الصف الأخير.
(^٤) ذكره المروذي في الورع (٧٧).
(^٥) البغدادي أصله من واسط، انظر ترجمته في تاريخ بغداد (١٦/ ٣٢٣). ووقع في المطبوعتين وفي باقي النسخ ما عدا نسخة (ظ): يحي بن طالب.
(^٦) سقط من (ظ).
1 / 18
قال: «كان يضعُ (^١) الشيءَ بعدَ الشيءِ مع إخوانه، فبُورِكَ له فيه». قال: وكان سفيانُ الثورِي يقول: «ما كانت القُوَّةُ مُنذ بَعَثَ الله ﷿ محمدًا ﷺ أنفَعَ لأهلها منها في هذا الزمان» (^٢).
١٩ - أخبرني محمد بن عمرو بن مكرم قال: سمعتُ أبا الحسن الزاهد يقول: قال رجلٌ لسفيان بن عيينة: يكونُ الرجلُ زاهدًا وعنده مائةُ دينار؟ قال: «نعم» قال: وكيف ذلك؟ قال: «إن نَقَصَتْ لم يَغتَم (^٣)، وإن زَادَت لم يَفْرَح، ولا يَكْرَهُ الموتَ لفراقها» (^٤).
٢٠ - أخبرني عليُّ بن الحسن (^٥) بن هارون، حدثني محمد العطار (^٦) قال: وذَكَرَ حسينُ بن علي بن الأسود، عن عبيد الله (^٧) بن موسى قال: سمعتُ سفيان الثورِي يقول: «المالُ في هذا الزمانِ سِلاحٌ» (^٨).
٢١ - أخبرني الحسن (^٩) بن عبد الوهاب، نا أبو بكر يعني ابن
_________
(^١) في نسخة برلين: يصنع.
(^٢) عن داود بن أبي هند، قال: قلت للحسن: الرجل ينفق على أهله النفقة لو شاء اكتفى بدونها فقال: أيها الرجل أوسع على نفسك كما وسع الله عليك. وقال الحسن أيضًا: ما يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما يثيب الله العبد على الشيء يفرح به عياله وأهله وولده. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال (٢/ ٥٥٧).
(^٣) المثبت من (ظ)، وفي باقي النسخ: يهتم.
(^٤) انظر كتاب التوكل لأبي يعلى (ص ٣٩).
(^٥) في المطبوعتين: الحسين. وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (١٣/ ٣١١).
(^٦) في (ظ): محمد بن محمد العطار، وكذا في الطبعتين. والمثبت من باقي النسخ: محمد العطار. وهو محمد بن سعيد العطار. انظر ترجمته في تهذيب الكمال.
(^٧) المثبت من (ظ)، وفي نسخة برلين والأوقاف: عبد الله.
(^٨) رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال (٧٩) عن عبيد الله بن موسى به.
(^٩) في نسخة برلين: الحسين.
1 / 19
حمَّاد المُقرئ، حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا أبو الفتح قال: «عَابَ سفيانُ على هؤلاءِ الذين لا يَرَون العَمَل». قال: «ورأى أبو بكر يعني الصديق شابًا يسألُ فَوَاجَرَهُ نَفْسَهُ».
٢٢ - أخبرنا أحمد بن منصور الرَّمَادي، حدثنا عبد الرزاق، ثنا محمد بن ثور قال: كان سفيانُ الثورِي يَمُرُّ بنا ونحن جلوس في المسجد الحرام، فيقول: «ما يُجلسكم؟» فنقول: فما نصنع؟ قال: «اطلبُوا من فضلِ الله، ولا تكونُوا عِيَالًا على المسلمين (^١)» (^٢).
٢٣ - حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ﵄ قال: حدثني مُهَنَّا،: حدثني أبو حازم شيخٌ كان عندنا بعَكَّا، قال: قال سفيانُ الثورِي: «يجبُ على الرجلِ طلبُ العلم إذا كان عنده مِلء كَفِّه طعامًا» (^٣). وسمعتُ محمد بن إسحاق يذكُرُ عن عبد الله بن سعيد (^٤)، عن ابن أبي غنية (^٥)، عن سفيان الثورِي يقول: «إن كان عندك بُرٌّ فتَعَبَّدْ، وإلا فاطلُبْه يعني من حِلِّه».
_________
(^١) في نسخة برلين: الناس.
(^٢) رواه الدينوري في المجالسة (١٠٨٢)، والبيهقي في شعب الإيمان (٩/ ٢٢١). وفي مسند ابن الجعد (١٩٢١): قال عمر بن الخطاب ﵁: يا معشر القراء، ارفعوا رءوسكم فقد وضح الطريق، استبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالا على المسلمين.
(^٣) روى الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (٥٠) عن عبيد بن جناد، يقول لأصحاب الحديث: ينبغي للرجل أن يعرف من أين مطعمه وملبسه ومسكنه، وكذا وكذا ثم يطلب العلم.
(^٤) في (ظ): أبي سعيد.
(^٥) هو يحي بن عبد الملك بن حميد. ووقع في المطبوعتين: عبد الله بن أبي سعيد عن ابن أبي عتبة. وكلاهما تصحيف.
1 / 20