حاشیې الترتيب لأبي ستة
حاشية الترتيب لأبي ستة
قال: والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العزلة. فقال الجمهور: الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك، وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين، وقد مضى، إلى أن قال: وقال النووي : المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى، وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص؛ فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فممن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكن لا يتحقق أنه لا يطاع وهذا حيث لا تكون هناك فتنة عامة، وإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة مما ينشأ فيها <1/97> غالبا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }[الأنفال:25]، ويؤيد التفضيل المذكور حديث أبي سعيد أيضا: "خير الناس رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعبة من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره". وقد تقدم في باب العزلة من كتاب الرقاق حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه آنفا، فإن أوله عند مسلم: "خير معاش الناس رجل مستمسك بعنان فرسه في سبيل الله" الحديث، وقوله: "ورجل له غنيمة" الحديث، وكأنه ورد في أي الكسب أطيب، فإن أخذ على عمومه دل على فضيلة العزلة ممن لا يتأتى منه الجهاد في سبيل الله إلا بزمن وقوع الفتن، والله أعلم.
<1/101> الباب الرابع عشر في الطهارة بالاستجمار
مخ ۹۸