Hashiya Ibn Abidin
حاشية ابن عابدين
خپرندوی
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
د ایډیشن شمېره
الثانية ١٣٨٦ هـ = ١٩٦٦ م
ژانرونه
حنفي فقه
وَهُمَا مَأْخُوذَانِ مِمَّا قِيلَ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ:
تَفَقَّهْ فَإِنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ قَائِدٍ ... إلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَأَعْدَلُ قَاصِدِ
وَكُنْ مُسْتَفِيدًا كُلَّ يَوْمٍ زِيَادَةً ... مِنْ الْفِقْهِ وَاسْبَحْ فِي بُحُورِ الْفَوَائِدِ
فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ... أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدِ
وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ ﵁:
ــ
[رد المحتار]
الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ الْمُثْمِرَ لِلتَّقْوَى وَالْوَرَعِ يُوصَلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْمَنَازِلِ الْمُرْتَفِعَةِ - ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢]- وَالْحَدِيثُ «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ عَلَّمَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» .
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ فَقِيهًا إلَخْ) لِأَنَّ الْعَابِدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا رُبَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ مَا يُفْسِدُ عِبَادَتَهُ، وَقَيَّدَ الْفَقِيهَ بِالْمُتَوَرِّعِ إشَارَةً إلَى ثَمَرَةِ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ التَّقْوَى إذْ بِدُونِهَا يَكُونُ دُونَ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ حَيْثُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْفِعْلِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ. لِلْوَرَعِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: الْأُولَى مَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْحَرَامِ الظَّاهِرِ. الثَّانِيَةُ وَرَعُ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ التَّوَقِّي مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَتَقَابَلُ فِيهَا الِاحْتِمَالَاتُ. الثَّالِثَةُ وَرَعُ الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ تَرْكُ الْحَلَالِ الْمَحْضِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ أَدَاؤُهُ إلَى الْحَرَامِ. الرَّابِعَةُ وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَلْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اعْتَلَى وَبِقَدْرِ نَظِيرِهِ التَّفَضُّلُ. اهـ. ط، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فِي الْمُتَقَدِّمِ.
(قَوْلُهُ: ذِي زُهْدٍ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَلْفِ شَخْصٍ صَاحِبِ زُهْدٍ. وَالزُّهْدُ فِي اللُّغَةِ: تَرْكُ الْمَيْلِ إلَى الشَّيْءِ. وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: هُوَ بُغْضُ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا. وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ رَاحَةِ الدُّنْيَا طَلَبًا لِرَاحَةِ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَخْلُوَ قَلْبُك مِمَّا خَلَتْ مِنْهُ يَدُك اهـ سَيِّدٌ.
(قَوْلُهُ: تَفَضَّلَ وَاعْتَلَى) أَيْ زَادَ فِي الْفَضْلِ وَعُلُوِّ الرُّتْبَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا مَأْخُوذَانِ) أَيْ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مَأْخُوذٌ مَعْنَاهُمَا.
(قَوْلُهُ: مِمَّا قِيلَ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا نَسَبَ أَوْ مِمَّا أَنْشَدَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ الْأَبْيَاتُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى الثَّانِي لِغَيْرِهِ أَنْشَدَهَا لَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِهِ.
(قَوْلُهُ: تَفَقَّهْ إلَخْ) أَيْ صِرْ فَقِيهًا وَالْقَائِدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُوَصِّلِ. وَالْبِرُّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصِّلَةُ وَالْجَنَّةُ وَالْخَيْرُ وَالِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ اهـ. وَالتَّقْوَى قَالَ السَّيِّدُ: هِيَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ، وَهُوَ اتِّخَاذُ الْوِقَايَةِ. وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: الِاحْتِرَازُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عُقُوبَتِهِ، وَهُوَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَمَّا تَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ. وَالْقَاصِدُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَرِيبُ: أَيْ وَأَعْدَلُ طَرِيقٍ قَرِيبٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنًى مَقْصُودٍ كَسَاحِلٍ بِمَعْنَى مَسْحُولٍ، وَالزِّيَادَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْفِقْهِ مُتَعَلِّقٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِمُسْتَفِيدٍ، أَوْ السَّبْحُ: قَطْعُ الْمَاءِ عَوْمًا شَبَّهَ بِهِ التَّفَقُّهَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ، وَإِضَافَةُ الْبُحُورِ إلَى الْفَوَائِدِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ. وَالْفَائِدَةُ: مَا اسْتَفَدْته مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَالٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَالشَّيْطَانُ: مَنْ شَاطَ بِمَعْنَى احْتَرَقَ، أَوْ مِنْ شَطَنَ بِمَعْنَى بَعُدَ لِبُعْدِ غَوْرِهِ فِي الضَّلَالِ، وَقَدْ عَقَدَ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ، وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ الدِّينِ الْفِقْهُ» .
(قَوْلُهُ: وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ ﵁ إلَخْ) عَزَا هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي دِيوَانِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَأَوَّلُهَا:
النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ ... أَبُوهُمُو آدَم وَالْأُمُّ حَوَّاءُ
وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْأَحْسَابِ آبَاءُ
إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُو مِنْ أَصْلِهِمْ شَرَفٌ ... يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّينُ وَالْمَاءُ
وَإِنْ أَتَيْت بِفَخْرٍ مِنْ ذَوِي نَسَبٍ ... فَإِنَّ نِسْبَتَنَا جُودٌ وَعَلْيَاءُ
1 / 40