هاشيه چه تفسير بيضاوي
حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، المسماة: عناية القاضى وكفاية الراضى على تفسير البيضاوي
أعمّ منه أو مساويا له كما هو شأن الخبر، وكذا قوله ما شكر الله عبد لم يحمده لأق الأعنم من وجه لا يلزم من انتفائه انتفاؤه أشار إلى دفعه بقوله: ولما كان الخ. فهذا جواب عن سؤال مقذر. قوله: (من شعب الشكر) جمع شعبة كغرف جمع غرفة من تشعب بمعنى تفرق ويكون بمعنى تجمع فهو من الأضداد وأصل الشعبة الخشبة المشعبة وقال شمر: الشعبة من كل شيء القطعة، والطائفة فهي لغة تكون للأجزاء، والأقسام، فتخصيصها هنا بالثاني إن كان عرفيًا فمسلم.
قال قدّس سره: وهو إحدى شعب الشكر باعتبار المورد وإن كان الشكر إحدى شعبه باعتبار المتعلق، وعبر عن الأقسام بالشعب لتشعبها من مقسمها، فإذا لم يعترف العبد بإنعام المولى، ولم يبن عليه ما دلّ على تعظيمه لم يظهر مته شكر ظهورا كاملاَ، وان اعتقد وعمل لم يعدّ شاكرا، لأن حقيقة الشكر إظهار النعمة والكشف عنها، كما أنّ كفرانها إخفاؤها وسترها، والاعتقاد أمر خفيّ في نفسه وعمل الجوارح، وإن كان ظاهرًا إلا أنه يحتمل خلاف ما يقصد به إذا لم يعين له بخلاف النطق، فإنه ظاهر في نفسه، ومعين لما أربد وضعا فهو الذي يفصح عن كل خفيّ، فلا خفاء فيه، وعلى كل نسبة، فلا احتمال له، وكما أنّ الرأس أظهر الأعضاء، وأعلاها وعمدة لبقائها كذلك الحمد أظهر أنواع الشكر وأشملها على حقيقته، حتى إذا فقد كان ما عداه بمنزلة العدم انتهى.
فجعل أنواع الشكر بمنزلة الجسد والحمد بمنزلة رأسه لما ذكره، ولما كان المقصود بالتشبيه كونه عمدة البقاء مع العلوّ والظهور خص دون القلب كما لا يخفى، فلا يرد عليه ما قيل إنّ العمدة القلب إذ لو لم يوافقه اللسان لا يكون القول معتبرًا ولا يعتدّ به، ولا حاجة إلى قوله ويمكن أن يقال جنس الحمد رأس الشكر لكونه من اللسان الذي اعتبره الشارع في مقام الإظهار، وقيل إنه ﵊ شبه الشكر بشجرة لأنه مشتمل على أمر خفيّ به قوامه وصلاحه وهو الاعتقاد، وعلى أمر ظاهر وهو القول، وعلى متوسط بينهما وهو العمل فقال " الحمد رأس الشكر " فذكر الشكر استعارة بالكناية واثبات الرأس تخييل، فقصد الردّ عليه لملاءمة الشعب لما ذكره، وهو لم يقع في الحديث مع أنه يطلق على ما بين القدمين أيضًا، والحديث يدل على عدم وجود الشكر بدون الحمد، وما ذكره لا يناسبه، وفي قوله ذكر الشكر الخ تسامح ظاهر، فلا وجه لتخطثته فيه والقول بأنه اصطلاح جديد. قوله: (أشيع للنعمة وأدلّ على مكانها) أشيع بمعنى أكثر إشاعة، وإظهارًا من بقية شعبه وأقسامه، وهذا بناء على مذهب سيبويه في جواز أخذ أفعل التفضيل من الأفعال المزيدة، وعليه الرضى لكثرته استعمالًا والجمهور على أنه نادر موقوف على السماع، ولك أن تقول لا حاجة لهذا لأنه من شعت الشيء كبعته ة ذا أظهرته كما في القاموس، ولم يتعد بالباء بل باللام لأنه أفعل تفضيل يطرد تعديته بها كما فصله النحاة وكان الأظهر أن يقول للتعظيم بدل قوله للنعمة لأن الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلتها، وأدلّ بمعنى أظهر دلا أت، ومكان النعمة المراد به النعمة على طريق الكناية، كما يقال المجلس العالي كناية عمن هو فيه، ولفظة مكان مقحمة لورودها كذلك في كلام العرب كقول الشماخ:
وماء قد نقيت به بكورًا ~ مكان الذنب كالرجل اللعين
أو مكان النعمة المنعم عليه، وأمّا كونه مصدرًا ميميًا بمعنى الكون، والثبوت فبعيد وبين الأظهرية بقوله لخفاء الخ. قوله: (وما في إدآب الجوارح من الاحتمال) الإدآب بالهمزة والدال المهملة، وآخره موحدة كالاتعاب وزنًا ومعنى، والدأب بمعنى العادة منه، والجوارح أعضاء الإنسان لأنه بها يكتسب مأخوذ من جرح بمعنى اكتسب، ومنه جوارح الطير لما تصيد منه، وهذا صريح في أنّ دلالة الألفاظ على المعاني أقوى من دلالة الأفعال عليها لما ذكره قيل وفيه نظر لأنّ من الأفعال ما يدل على المعنى المراد منه دلالة قطعية لا يتطرّق لها شبهة، واحتمال فطعًا، فإن حمل الشخص مرارًا للثقيل يدل على قدرته على ذلك قطعا واشتغاله بصنعة يدل على علمه بها وادارتها بلا احتمال، ويشهد له المثل لسان الحال أنطق من لسان المقال بخلاف الألفاظ، فإنه ليس شيء منها يخلو من احتمال الاشتراك ولتجوّز والزيادة والنقصان نعم يصير بعضها قطعيا فيما يراد منه بواسطة قرينة فأمّا ينفسها فلا، وكذا قيل إنّ المدلول يتخلف عن الدال
1 / 78