والقطع بالقواعد بقطعية أدلتها، المبنية في محالها كالعقل المثبت للعلم والقدرة لله تعالى، والنصوص والإجماع المثبتة للبعث والحساب، وكإجماع الصحابة المثبت لحجية القياس وخبر الواحد، حيث عمل كثير منهم بهما متكررا شائعا، مع سكوت الباقين، الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق عادة، وفي ما ذكره من الأصول قواعد قواطع تغليب، فإن من أصول الفقه ما ليس بقطعي، كحجية الاستصحاب ومفهوم المخالفة، ومن أصول الدين ما ليس بقاعدة، كعقيدة أن الله موجود، وأنه ليس بكذا مما سيأتي.
المحشي: وتعرفها منها بالفعل ، بأن يحمل موضوعها في المثال «على أقيموا» مثلا فتحصل قضية، وتجعل صغرى، والقضية الكلية كبرى فيقال: «أقيموا» أمر، والأمر للوجوب حقيقة، ينتج أقيموا للوجوب حقيقة. وكالعلم فيما مثل به للقاعدة من أصول الدين بقوله: «والعلم ثابت لله تعالى» إذ يندرج فيه جزئياته، كالعلم بأحوال زيد، والعلم بأحوال عمرو، والعلم بأحوال بكر، ولها أحكام هي كون كل منها ثابتا لله تعالى، فيركب من ذلك قياس. فيقال: العلم بأحوال زيد مثلا علم، والعلم ثابت لله تعالى، ينتج العلم بأحوال زيد ثابت لله تعالى. ويقال للقاعدة: القانون، والأصل، والضابط ولا جناس في قول المصنف «بالقواعد القواطع»، والقول بأن فيه جناسا مضارعا، لاتفاق الكلمتين في عدد الحروف والهيئات، واختلافهما في حرف مع التقارب مخرجا، أو جناسا لاحقا، لاتفاقهما في العدد والهيئات واختلافهما في الآخر مردود، إذ يشترط في كل منهما الاتفاق في الترتيب أيضا، وفي الثاني عدم تقارب الحرفين المختلفين مخرجا.
قوله: «والنصوص والإجماع» لم يأت فيه بالكاف مع أنه المناسب لسابقه ولاحقه لأنه من نوع سابقه، لأن كلا منهما متعلق بأصول الدين، ولاحقه متعلق بأصول الفقه. قوله: «وخبر الواحد»: معطوف على القياس. قوله: «الذي هو» إلى آخره، صفة ل «سكوت الباقين»، وقوله: «هو» مبتدأ خبره «وفاق»، وما بينهما بيان لمثل ذلك. قوله: «وفيما ذكره من أن الأصول قواعد قواطع تغليب» أي نظرا إلى الدليل كما قرره أولا.
وإلا فلو نظر إلى وجوب العمل أيضا، كان ما جعله ظنيا قطعيا أيضا، إذ القطع قد يكون بالنظر إلى الدليل كالمتواتر، وقد يكون بالنظر إلى الدلالة، وإن كان الدليل ظنيا، وقد يكون بالنظر إلى وجوب العمل، كمظنون المجتهد، فإنه قطعي للعمل لا تجوز مخالفته، لكن الشارح مشى على ما رجحه المصنف في شرح المختصر، فقد حكى فيه خلافا: هل مسائل أصول الفقه كلها قطعية، أو بعضها قطعي وبعضها ظني، ثم قال: والأول هو رأي القاضي وأكثر المتقدمين، والثاني هو الأظهر عندنا.
صاحب المتن: البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير الوارد من زهاء مائة مصنف منهلا يروي
الشارح: «البالغ من الإحاطة بالأصلين» لم يقل الأصولين الذي هو الأصل، إيثارا للتخفيف من غير إلباس. «مبلغ ذوي الجد» بكسر الجيم أي بلوغ أصحاب الاجتهاد «والتشمير» من تلك الإحاطة. «الوارد» أي الجائي.
«من زهاء مائة مصنف» بضم الزاي والمد، أي قدرها تقريبا من زهوته بكذا أي حزرته. حكاه الصغاني، قلبت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة كما في كساء. «منهلا» حال من ضمير الوارد.
المحشي: وقول المصنف «من الإحاطة» بيان ل «مبلغ ذوي الجد والتشمير» كما أشار إليه الشارح بقوله «من تلك الإحاطة» فإنه متعلق ب «بلوغ» لا ب «التشمير» ولم يصرح بذلك ولا بتوجيه تقديم البيان على المبين، اكتفاء بما قدمه في قول المصنف «من فن الأصول». قوله: «من غير إلباس» أي في التعبير بالأصلين، بخلاف التعبير بالأصولين، فإنه ملبس بالجمع.
قوله: «منهلا» حال من ضمير الوارد فيه من المبالغة ما ليست في جعله مفعولا للوارد كما تقول: ورد المنهل، وإن كان الثاني أنسب بما قدمه، من تقديم البيان على المبين، بأن يجعل من «زهاء مائة مصنف» بيانا لما بعده،
مخ ۹