حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرونه
إن الأفعال التي تخضع للمعايير، مثلها مثل التأكيدات أو الأفعال الكلامية التقريرية، لها طابع التعبيرات الدالة على معنى وتكون قابلة للفهم في سياقها الخاص، كما أنها مرتبطة بمزاعم الصدق القابلة للنقد، فهي تحيل إلى معايير وتجارب ذاتية أكثر مما تحيل إلى وقائع خالصة. والفاعل في هذه الحالة يؤكد أن سلوكه صحيح بالنسبة إلى سياق معياري مشروع، أو أن أقواله بضمير المتكلم عن تجربة شخصية مارسها هي أقوال صادقة وأمينة. بيد أن هذه التعبيرات يمكن أن يسري عليها الخطأ كما يسري على الأفعال الكلامية التقريرية، ذلك «أن إمكانية اعتراف الذوات فيما بينها بمزاعم الصدق القابلة للنقد هو عنصر أساسي من عناصر عقلانيتها، والمعرفة الكامنة في الأفعال الخاضعة للمعايير أو في التعبيرات الذاتية، هذه المعرفة لا تحيل إلى حالات واقعية للأشياء، بل تحيل إلى صدق المعايير أو إلى التعبير عن التجارب الذاتية. إن المتكلم الذي يفصح عن هذه التعبيرات لا يحيلنا إلى شيء من أشياء العالم الموضوعي، وإنما يحيلنا إلى شيء موجود في العالم الاجتماعي المشترك أو في عالمه الذاتي الخاص به.»
37
أراد هابرماس وضع نظرية تحافظ على الالتزام بقيم الحقيقة والنقد والإجماع العقلي، ولكنها مع ذلك تؤكد ثقتها بإمكان التوصل إلى موقف لغوي مثالي، أي إلى مجال عام للمناقشة أو الحوار الحر الخالي من كل قمع. والتحرر الحقيقي يكون في «العودة إلى البراكسيس (الممارسة) كمقولة متضمنة في المشاركة الفعالة لكل فرد في التحكم في الظاهرة الاجتماعية، بمعنى آخر أن يكون الناس ذوات وليسوا موضوعات، ولهذا الغرض يجب، في رأي هابرماس، تحسين الاتصال الإنساني والمناقشة الحرة»،
38
فعندما تقوم الذات (أو الأنا) بفعل من أفعال الكلام، وعندما تتخذ ذات أخرى (أو الآخر) موقفا من هذا الفعل، فإنهما - أي الأنا والآخر - يعترف كل منهما بالآخر وينسجان أو يقيمان علاقة تواصلية بين الذوات الذين دمجوا اجتماعيا عبر التواصل، وهي علاقة مختلفة عن تلك الموجودة بينهم وبين العالم المادي.
لقد حاول هابرماس استخلاص المحتوى المعياري لفكرة الفهم الموجودة في اللغة والتواصل، وأدى هذا إلى مفهوم مركب لا يتضمن فحسب أن نفهم معنى الأفعال الكلامية، بل يتضمن كذلك التفاهم المتبادل بين المشاركين في التواصل، ليس فقط التفاهم حول معرفة تخص أمرا ما في العالم الموضوعي، بل تخص الوقائع والمعايير أيضا، وكذلك التجارب الشخصية: «إن المتحدث في كل فعل من أفعال كلامه يرجع في آن واحد إلى شيء ما يخص العالم الموضوعي وعالم الطائفة الاجتماعية، وإلى عالمه الذاتي»،
39
فهذا النموذج من الفعل التواصلي «يفترض أن المشاركين في التفاعل يمكن أن يعبئوا إمكاناتهم العقلية - التي تتركز وفقا للتحليل السابق في العلاقات الثلاث للقائم بفعل التواصل بالعالم - بحيث يكون ذلك معبرا عن الرغبة الصريحة في التوصل إلى التفاهم.»
40
لكن ماذا يعني هابرماس على وجه التحديد بالتفاهم؟ أنه ذلك الاتفاق الحادث بين المشاركين في عملية التواصل، بمعنى أن يحيل التفاهم إلى اتفاق مبرر عقليا بين الذوات القادرة على الكلام والفعل للوصول إلى إجماع، ولتحقيق هذا الغرض يكون للفهم «مستويات ثلاثة يكون على كل مشارك في التفاعل أن يحترمها لتحقيق غرض الفهم؛ ولهذا فإن المستمع يفهم التعبير أولا، أي يدرك دلالة ما يقال ، ثم يتخذ هذا المستمع موقفا بالإيجاب أو بالسلب، بالقياس إلى ادعاء معلن من فعل الكلام ثانيا، أي أنه يقبل أو يرفض العرض الذي يقترحه فعل الكلام. ونتيجة اتفاق ما يوجه المستمع فعله حسب المتطلبات القائمة بشكل توافقي ثالثا.»
ناپیژندل شوی مخ