حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرونه
54
أو بالأحرى للتحطيم أو التفكيك.
تميزت تيارات «ما بعد الحداثة» بسمات خاصة أولها ارتباطها بعلوم اللغة وعلم الدلالة والمعنى. كما حدث نوع من الامتزاج - في هذه النوعية من الدراسات - بين الفلسفة والنقد الأدبي؛ فكان هذا الأخير هو الميدان الرئيسي الذي شهد التطبيقات العملية لهذه التيارات. وأخيرا تقوم هذه الدراسات على المناهج النقدية أو التفكيك بمعناه الإيجابي والسلبي معا . لقد قامت فلسفة التأويل (الهرمنيوطيقا) على نقد وتفكيك النصوص الأدبية من أجل الفهم والوقوف على المعنى والدلالة والقيمة التي ينطوي عليها النص ، أي أنه تفكيك من أجل البناء. بينما تقوم التفكيكية على المعنى السلبي للكلمة والهادف إلى نقد وتفكيك النص للوقوف على التناقض والاختلاف بداخله، أي أنه نقد لا يتجاوز مرحلة الهدم. تمثلت أفكار ما بعد الحداثة - إذن - في عقلانية التأويل والتفكيك وفلسفة الاختلاف. (3-10) فلسفة التأويل (الهرمنيوطيقا)
تمتد جذور التأويل كمنهج نقدي إلى العصور الوسطى عندما تمثلت في تفسير وتأويل النصوص الدينية واستنكاه المعنى الكامن في النص من الداخل، ولكنها تميزت في الربع الأخير من القرن العشرين بأن أصبحت اتجاها فلسفيا يهدف إلى نظرة جديدة إلى العالم وإلى الوجود عن طريق تفسير النصوص وتأويلها، وانفتاح الذات على الآخر من خلال عملية الفهم التي ترتكز في المقام الأول على اللغة والكلمة كرمز لهذه اللغة. كما أعادت الهرمنيوطيقا للذات التاريخية مكانتها بعد أن أنكرتها البنيوية. وفلسفة التأويل هي نتاج امتزاجات فلسفات عديدة كالفلسفة الوجودية والمنهج الظاهرياتي والمنهج البنيوي. لقد أخذت من هيدجر فكرة أن وجود الإنسان أسبق من بحثه عن المعرفة، أي أن الإنسان ككائن موجود أسبق منه ككائن عارف. وبذلك تحولت الفلسفة في الهرمنيوطيقا إلى دراسة انخراط الإنسان في العالم، كيف يفهم العالم ويفهم نفسه من خلال العالم، أي كيف يتحول من كائن معرفي إلى كائن يصنع وجودا جديدا، وبذلك تحولت الفلسفة إلى فهم الإنسان لنفسه بشكل جديد بتأسيس عقلانية جديدة.
يتفق فلاسفة التأويل على أن التشكلات المختلفة للغة وممارستها وتحولات آفاق المعنى فيها ليست خالية من الأغراض والمصالح والرغبات والبحث عن القوة والسلطة، فليس هناك معنى للقول ببراءة اللغة؛ لأن تشكلات اللغة والمعنى دائما تنطوي على مصالح وأهداف وصراعات ورغبات ... إلخ، وبذلك يؤكد فلاسفة التأويل مسألة الفهم التأويلي الأصيل في سبيل بحث مشترك عن موضوعية الموضوع، والكشف عن التحيزات والأحكام المسبقة والكامنة في بناءات الهيمنة والسيطرة،
55
أي رفع الأقنعة عن مفاهيم القوة والسيطرة الكامنة في اللغة واستخداماتها، وكأن أزمة اللغة المعاصرة ليست شيئا آخر سوى «التأرجح بين إزالة الحجب التي يختفي المعنى وراءها، واستعادة المعنى الحقيقي.»
56
ولما كانت الهرمنيوطيقا منفتحة على كل ألوان المذاهب الفلسفية والاجتماعية والعلوم الإنسانية بصفة عامة، وكانت أيضا ذات روابط وعلاقات وثيقة بمختلف مناهج النقد الأدبي، فلا نستطيع بطبيعة الحال أن نتتبع تطبيقاتها على جل هذه المجالات المعرفية، لذلك سنعرض باختصار للمنهج الهرمنيوطيقي عند اثنين من أشهر أعلامه وهما بول ريكور وجادامر.
يعرف بول ريكور (1913م-...) بأنه فيلسوف المعنى الذي يهتم بالدرجة الأولى بتنظير المنهج الهرمنيوطيقي من أجل الوقوف على المضامين الدلالية للنصوص. ويختلف بول ريكور عن رواد الهرمنيوطيقا «بالقدر الذي يتجاوز فيه المجال المعرفي الضيق للنصوص التراثية في علاقتها بتطور فقه اللغة الكلاسيكية والعلوم التاريخية، وبالقدر الذي يطرح فيه قضية التفسير وفهم التاريخ كجزء من مجال أوسع هو مجال الفهم مرتكزا في ذلك على الجوانب النفسية والحياتية والتاريخية واللغوية التي تتجاذب النص في علاقته الحية المتجددة بضمير المفسر.»
ناپیژندل شوی مخ