حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرونه
وقبل أن نتطرق للحديث عن هذا الجانب المتعلق بالقيم، فمن الضروري أن نؤكد أنه لا خلاف حول أهمية القيمة الموضوعية للعالم الطبيعي؛ لأن معرفة العالم معرفة موضوعية تساعدنا على اكتشاف ما فيه من قيم وإبداعات خلاقة، وبدون دراسة هذا الإبداع أو الجوانب الخلاقة في البيئة، سنصبح كمن يطلق قيما على عالم لم نعرف قيمته معرفة كافية. ولكيلا نضفي على العالم قيما ذاتية أو قيما تمليها الصدفة، لا بد أن نعرف العالم نفسه معرفة موضوعية. وتبدأ معرفتنا بالعالم الطبيعي من خلال عمليتين أساسيتين: الأولى هي تطور الكائنات ومحافظتها على نفسها، وهي العملية التي تنم عن قيمة إبداعية، والثانية هي إدراك البشر لتلك القيم الموضوعية للطبيعة، والوعي بأن من يدركون هذه القيم هم أنفسهم جزء من نماذج الأرض المبدعة وثمرة نتاجها الطبيعي.
يؤكد القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية ثلاث فرضيات أساسية: (1) فرضية نفي الغائية. (2) فرضية الاستقلال. (3) فرضية اللاتناسق. تقر الفرضية الأولى «أن الأرض (الطبيعة) لم تأت للوجود وتستمر فيه من أجل خدمة الأغراض البشرية، وبهذا المعنى ليس هناك غائية.»
20
وعلى الرغم من أن هناك جوانب في البيئة الطبيعية تمثل قيمة أداتية للجنس البشري مثل الطعام والملبس والمأوى، كما أن هناك جوانب أخرى من البيئة الطبيعية تمثل قيمة أداتية أيضا للكائنات غير البشرية «النباتات يمكن أن تستفيد من الطبيعة غير الحية لتدعيم كمالها الوظيفي، وبهذا المعنى يكون ثاني أكسيد الكربون، والماء والحرارة والضوء المستمد من الشمس ... إلخ ذات قيمة أداتية بالنسبة للنبات.»
21
كما يحدث أيضا نفس الشيء بالنسبة للحشرات التي تمثل أوراق النبات بالنسبة لها قيمة أداتية. فهل يعني هذا أن البيئة الطبيعية غير الحية وجدت من أجل تحقيق هذه الأغراض؟ لا شك في أنه سيكون من الخطأ القول إن الطبيعة وجدت أو ظهرت إلى الوجود من أجل تحقيق قيمة نفعية أو أداتية للحياة البشرية أو غير البشرية.
وتعبر فرضية الاستقلال عن القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية من خلال بعض الخصائص الطبيعية التي يؤكدها تاريخ التطور الطبيعي الطويل ومنها: (1) أن الأرض نشأت مستقلة تماما عن البشر، وسابقة على وجودهم بما لا نهاية له من الدهور، بينما لم تظهر الحياة البشرية على مسرح الطبيعة إلا منذ ما يقرب من مائة ألف سنة. (2) يمكن للنوع البشري أن يفنى لسبب أو آخر، بينما تبقى الأرض ومجالها الحيوي وتمتلئ بأنواع أخرى جديدة من الوجود (أو الموجودات). (3) قدرة المجال الحيوي على أداء وظيفته بشكل كامل وسليم بغير عون أو مساعدة من البشر.
22
ويترتب على هذا أن نشأة البيئة الطبيعية واستمرارها في الوجود لا يعتمد على الوجود البشري، وأن كمال وسلامة أدائها الوظيفي مستقل تماما عن الإنسان، بل إن هذا الأخير قد عرض تلك السلامة للتدمير عندما شرع في التدخل في البيئة الطبيعية دون مراعاة نواميسها وقوانينها الداخلية، ويعني هذا أن الأرض ومجالها الحيوي لهما القدرة على الوجود والاستمرار، وأداء وظيفتهما بدون الاعتماد على البشر.
أما الفرضية الثالثة والأخيرة فهي التي تقر بأنه «ليس هناك تناسق في الارتباط العلي بين البشر والطبيعة، فبينما يعتمد البشر على الطبيعة، بحيث لا يمكنهم أن يحيوا بمنأى عنها، فإن وجود الطبيعة وسلامة وظيفتها مستقلان عن الوجود البشري.»
ناپیژندل شوی مخ