حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرونه
وإذا كانت الدوائر العالمية الآن - من خلال الاهتمام الشديد بمرور مائة عام على رحيل نيتشه - تعبر عن احتياجها إلى فكره، وتقدم الدراسات والتحليلات والتفسيرات التي لا حصر لها عن السؤال المطروح في بداية هذا البحث، لماذا نيتشه الآن؟ فأحسب أننا نحن العرب أشد احتياجا من الغربيين إلى رؤية نيتشه النقدية للتاريخ والحضارة، كما أننا أشد احتياجا من الغرب إلى أن يكون لدينا الوعي التاريخي والوعي اللاتاريخي معا، أي أن تكون لدينا القدرة على التذكر والقدرة على النسيان بنفس القدر، أي القدرة والشجاعة على الفحص النقدي للماضي، لا لكي نعيش في الماضي فنعرض حاضرنا للخطر، بل أن يكون فحصا نقديا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فنستحضر من الماضي لحظات مجده بالقدرة على التذكر، ونغفل ظروفا ولحظات من الماضي لا يجب التمسك بها بالقدرة على النسيان، حتى نتمكن من أن نعيش الحاضر بالكامل ونتجه بقوة وشجاعة نحو المستقبل المأمول.
ما أحوجنا نحن العرب إلى أن تكون لدينا جسارة نيتشه وشجاعته في الهدم والتدمير، حتى نستعيد القدرة على البناء والإبداع من جديد. أما إذا طرحنا السؤال السابق - لماذا نيتشه الآن؟ - في عالمنا العربي، فالإجابة في جملة واحدة؛ لأنه ما أحوجنا اليوم إلى نيتشه «عربي» يحطم الأوثان، ويصرخ داعيا إلى حضارة جديدة، ووعي وإرادة حياة جديدة، وتاريخ جديد، وحاضر جديد يتمخض - بالإرادة والوعي والقيم الجديدة - عن مستقبل جديد.
البيئة والمسئولية نحو نموذج معرفي وأخلاقي جديد للخروج من أزمة الإنسان مع بيئته
مقدمة
تتعالى الأصوات في العقود الأخيرة بالشكوى تارة والتحذير تارة أخرى من مشكلات بيئية ستواجه البشرية في مستقبل ليس بالبعيد، ومن كوارث وشيكة الحدوث، وأزمات بدأ الإنسان يعاني من عواقبها الوخيمة بفعل تدمير البيئة الطبيعية التي طالتها يد التقنية الحديثة بالاستغلال والتخريب، مما جعل فلاسفة الأخلاق المهتمين بشئون البيئة يعيدون النظر في علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية، التي ارتبطت بتاريخ الفكر البشري منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وبصفة خاصة منذ بدايات الفلسفة الشرقية والفلاسفة قبل سقراط.
وقد مرت العلاقة بين الإنسان والبيئة بتحولات تاريخية كبيرة عبر تاريخ البشرية بأكمله، ولكن هذا البحث سيلقي الضوء على هذه العلاقة من الناحية الفلسفية. وقد استخدم الفلاسفة مصطلح الطبيعة بمعناه الأعم والأشمل للتعبير عن البيئة التي لم تظهر كمصطلح إلا في نهاية القرن التاسع عشر مع بداية ظهور الأزمة. ولذلك سيعرض البحث لتحولات العلاقة بين الإنسان والطبيعة عبر تاريخ الفكر الفلسفي، والتي انتهت في الآونة الأخيرة إلى سيطرة الطرف الأول في هذه العلاقة (وهو الإنسان) سيطرة شبه كاملة على الطرف الثاني (وهو الطبيعة) بفضل التفوق التقني، ولكن هل ما يصيبنا الآن من كوارث طبيعية وبيئية هو رد فعل وصرخة احتجاج من الطبيعة على ما تعرضت له من ظلم وعدوان؟ أم هي إشارات تحذير للإنسان بأنه لن تكون له الكلمة الأخيرة في الدراما الكونية التي هو مجرد جزء ضئيل منها؟ أم هو إعلان من الطبيعة بأنها هي الأخرى لها ذات وقيمة مستقلة عن البشر الذين توهموا أنهم الكائنات الوحيدة الحاملة للقيمة والقادرة على التقييم؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين وكيف المخرج من هذا المأزق البيئي البشري؟
هدف البحث: سيحاول هذا البحث الإجابة عن هذه الأسئلة التي يستلزم الرد على السؤال الأول منها تتبع العلاقة بين الإنسان والطبيعة من الناحية الفلسفية، وكيف تدرجت من علاقة حميمة آمنة إلى علاقة هيمنة وسيطرة، وذلك من خلال نموذج معرفي أفضى إلى إخضاع البيئة بالكامل لسطوة التقنية. وتقتضي الإجابة عن السؤال الثاني إثارة المشكلة الأساسية التي أدت إلى مثل هذه السيطرة، وهي النزعة المركزية الإنسانية التي وضعت الإنسان في مركز السيطرة والسطوة، ومنحته حق إخضاع سائر الكائنات والعناصر البيئية الأخرى لمصلحته، وكيف ساهمت عدة علوم حديثة في إنهاء هذه المركزية الإنسانية بإثبات أن الإنسان ليس إلا جزءا ضئيلا من كون لا نهاية له. وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن أن تنتهي مزاعم الإنسان التي صورت له أنه هو الكائن الوحيد الحامل للقيمة والسيد المسيطر على كل شيء؟ من هنا تأتي الإجابة عن السؤال الثالث بمحاولة البحث عن القيمة الباطنة في الطبيعة، ودلالات هذه القيمة على وجود كائنات وعناصر أخرى تحمل قيمة في ذاتها، وطبيعية الموقف البشري الذي ينبغي اتخاذه منها.
ويعرض البحث في النهاية محاولات إيجاد مخرج من أزمة الإنسان مع بيئته من خلال المسئولية الأخلاقية تجاه البيئة، كما يدعو إلى مواصلة الجهود المشتركة للبحث عن أخلاقيات بيئية رشيدة تستند على نموذج معرفي جديد، أي نموذج يقوم على تنمية الوعي الأخلاقي والجمالي بالبيئة، ولفت الأنظار إلى المسئولية العالمية المشتركة في ظل أخلاق كوكبية جديدة تضع في اعتبارها بالدرجة الأولى حماية البيئة وصيانتها من منطلق كونها ميراث البشرية ورصيدها الذي ينبغي صيانته والمحافظة عليه.
مصطلحات بيئية: قبل التعرض لهذه الأسئلة والإشكاليات يجدر بنا أن نقف عند المصطلحات الأساسية التي يتناولها البحث: الطبيعة
Nature ، والبيئة الطبيعية
ناپیژندل شوی مخ