حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرونه
Antiquarian history ، والنوع الثالث والأخير هو التاريخ النقدي
Critical history . وتتعلق هذه الأشكال الثلاثة «بحياة الكائن البشري؛ فالتاريخ التذكاري يتعلق بالإنسان ككائن فاعل ومناضل، ويتعلق التاريخ العتيق به ككائن محافظ ومنطو، أما التاريخ النقدي فيرتبط بالإنسان باعتباره كائنا يعاني ويسعى إلى التحرر.
18
فالنوع الأول لدراسة التاريخ يتطلب إنسانا مفعما بالقوة، وقادرا على الفعل، إنسانا لا يستوقفه من التاريخ سوى اللحظات الكبرى في حياة الجنس البشري، ليعرف من خلال التاريخ أن الأفعال المجيدة كانت ممكنة في يوم ما، وأن هذا المجد من الممكن أن يعود مرة أخرى؛ لأن مثل هذا التاريخ هو نوع من تأكيد الحياة وتعزيزها، يجنب الإنسان اليأس ويساعده على الفعل. وهذا التاريخ التذكاري يكشف الماضي النبيل المنسي عندما يتعرف فيه الإنسان على المجد البشري في فترات الفعل البطولي الذي يخلق الأبدية في مواجهة صيرورة الزمن، بحيث لم يعد الوجود الإنساني في تلك اللحظات الكلاسيكية النادرة لعبة يلهو بها الزمن، أو يبتلعه تدفق الصيرورة بلا رحمة. ولذلك لا بد من الوقوف أمام لحظات الوجود الإنساني النبيل الذي تمثل في المجد والأفعال البطولية، ولا بد من تقدير حياة العظماء الذين استطاعوا فرض الأبدية على تدفق الصيرورة من خلال أعمال مجيدة، فتغلبوا بذلك على الزوال والفناء الذي هو طبيعة كل الأشياء.»
ومع ذلك لم يغفل نيتشه مخاطر استخدام هذا النوع من التاريخ. فعندما يكون الدارسون له من البشر الذين يتسمون بالقوة ويمتلكون إرادة الفعل، أي عندما يتناوله بشر عظماء، فإنهم يستلهمون منه الشجاعة، ويتعلمون من آثار الماضي، ويحولون هذا التعلم إلى ممارسة من أجل تعزيز الحياة، أي من أجل أن يصبح الماضي في خدمة الحاضر. أما إذا تناول هذا النوع من التاريخ بشر يتصفون بالضعف، فإنهم يحولون آثار الماضي إلى أصنام جامدة، ويخنقون قوته المبدعة ولا يوظفونه لتعزيز حياة الحاضر زاعمين أن عظمة الماضي ومجده لا يمكن أن يعودا، رافعين شعارهم «انظر، هذا هو الفن الحقيقي، لا تعر اهتماما لهؤلاء الذين يريدون شيئا جديدا»،
19
وفي هذه الحالة يصبح التاريخ التذكاري «زيا تنكريا لكراهيتهم للمجد والقوة في عصرهم، كراهية تتخفى وراء إعجابهم المتخم بمجد وقوة العصور الماضية، وبهذا يقلبون المعنى الحقيقي لهذا النوع من التاريخ سواء كانوا على وعي بهذا أو لم يكونوا، ويعملون وفق شعارهم: دع الميت يدفن الحي»،
20
مثل هؤلاء البشر يتعرفون على العظمة، ولكنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثلها؛ ولذلك يخنقون الحاضر بالتوقف عن استلهام مجد وعظمة لحظات بعينها من الماضي، ناظرين إلى هذا الماضي على أنه موضوع ثابت وغير قابل للتغيير، رافضين تجربته ومعايشته من جديد.
يتميز النوع الثاني من التاريخ - وهو التاريخ العتيق - بنوع من التبجيل والطاعة والاعتراف بفضل الأسلاف على الوجود، ويميل الباحث في هذا التاريخ إلى المحافظة على جذوره وميراثه متصورا أنه يخدم الحياة «بالاهتمام بما كان موجودا في الماضي، ويريد المحافظة على الظروف التي أتى هو نفسه للوجود في ظلها لمن يأتون بعده، وهكذا يخدم الحياة.»
ناپیژندل شوی مخ