مقدمة
الرشيد في سطور
ميلاد دولة
على أريكة الخلافة
أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد
النظام الاجتماعي في عهد هارون الرشيد
بغداد
الرشيد في قصر الخلد
الأدب والأدباء
مأساة البرامكة
ناپیژندل شوی مخ
الشعر والغناء
لهو الرشيد
شارلمان والرشيد
نهاية الرشيد
خاتمة
مقدمة
الرشيد في سطور
ميلاد دولة
على أريكة الخلافة
أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد
ناپیژندل شوی مخ
النظام الاجتماعي في عهد هارون الرشيد
بغداد
الرشيد في قصر الخلد
الأدب والأدباء
مأساة البرامكة
الشعر والغناء
لهو الرشيد
شارلمان والرشيد
نهاية الرشيد
خاتمة
ناپیژندل شوی مخ
هارون الرشيد
هارون الرشيد
تأليف
أحمد أمين
مقدمة
طلبت إلي دار الهلال أن أضع كتابا عن هارون الرشيد، فاغتبطت بهذا الطلب؛ لأني أحبه، وربما كان سبب حبي له أنه رجل عاطفي ذواق، يخضع للمؤثرات الوقتية؛ فيصلي مائة ركعة كل يوم، ويحج ماشيا، ويهيم من ناحية أخرى بالجمال والغناء ومجالس الشراب، ويحدثه أبو العتاهية حديث الزهد فيبكي حتى تخضل لحيته، ويقول له ابن أبي مريم نكتة فيضحك حتى يستلقي على قفاه، ويرضى عن البرامكة فيطلق لهم العنان، ويغضب عليهم فينكل بهم أشد النكال.
ورجل كهذا يكون - عادة - صريحا صادقا ... وأحبه أيضا؛ لأنه أعلى شأن الشرق في الغرب، فكلما ذكر هارون الرشيد تخيل الغربيون الشرق بفتنته العجيبة، وجاذبيته الساحرة؛ والسبب في ذلك كتاب ألف ليلة وليلة، وما أضفت عليه علاقته بشارلمان من فخفخة وإجلال، وتوالي الوفود منه وإليه، وحركة التجارة بين الشرق والغرب في أيامه ... إلى غير ذلك.
ويضاف إلى هذا كله ما رزق من حسن حظ؛ فكثير من الخلفاء قبله وبعده - كمعاوية، وعبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، وعبد الرحمن الداخل، وعبد الرحمن الناصر، والمأمون - كانوا خيرا منه.
وغلطة كغلطة البرامكة كانت تكفي لأن تطوح بذكره، وتصغر من شأنه ... ولكن هي الظروف، وهو الحظ، حتى إن بعض كبار المؤرخين - كابن خلدون - نصبوا أنفسهم للدفاع عنه وتصويره كأنه نبي كريم لا يصح أن يغني، ولا أن يشرب، ولا أن يزل!
كل هذا ونحوه جعله محبوبا، عالي الذكر، بعيد الصيت. وقد عمدت إلى كتابته بأسلوب عصري سهل يناسب جمهور القراء، فلم أتعمق فيه تعمقا يجعله ثقيلا، ولا أغرقته بذكر المصادر كما يفعل الجامعيون، ومن نحا نحوهم، والله يرزقه من الحظوة ما رزق الرشيد.
ناپیژندل شوی مخ
أحمد أمين
هارون الرشيد بريشة «جبران خليل جبران».
الرشيد في سطور
ولد هارون الرشيد ببلدة «الري» بطبرستان في آخر ذي الحجة سنة 145ه، وقيل: في أول المحرم سنة 149ه.
بويع بالخلافة يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة 170ه، في صبيحة الليلة التي مات فيها أخوه الخليفة الهادي.
استوزر الرشيد سنة مبايعته بالخلافة يحيى بن خالد البرمكي، ودفع إليه بخاتمه قائلا: «قد قلدتك أمر الرعية، فاحكم فيها بما ترى.»
في سنة 176ه خرج عليه يحيى بن عبد الله بالديلم؛ فأرسل إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفا، وأعاد الأمن إلى نصابه، وقد تمكن من إخماد عدة فتن في الجزيرة ودمشق في سنتي 177، 178ه.
في سنة 175ه عقد الرشيد لابنه محمد ابن زوجته زبيدة بولايته العهد من بعده، ولقبه «الأمين»، وعمره وقتئذ خمس سنوات.
في سنة 182ه بايع الرشيد لابنه «عبد الله» بولاية العهد بعد محمد الأمين، وولاه خراسان، ولقبه «المأمون»، وبايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون، ولقبه «المؤتمن»، وولاه على الجزيرة والثغور.
خرج لمحاربة رافع بن الليث بخراسان في جيش كبير من «الرقة» سنة 192ه، وقد بدأ مرضه.
ناپیژندل شوی مخ
مات سنة 193ه بعد أن قضى في الولاية 23 سنة وشهرين و18 يوما.
شجرة هارون الرشيد من جده عبد الله بن عباس بن عبد المطلب جد النبي محمد
صلى الله عليه وسلم .
ميلاد دولة
للدول عمر كالذي للأفراد ... طفولة، ومراهقة، وشباب، وكهولة، وشيخوخة، وهي كالأفراد أيضا ... بعضها يولد هزيلا مريضا يموت في مهده، أو بعد مهده بقليل، وبعضها يولد صحيحا معافى تمتد حياته، ويطول عمره، وهي كذلك كالأفراد ... يعتريها أحيانا موت الفجاءة، وأحيانا يدب الفناء فيها، وتموت عضوا فعضوا حتى ينتهي أجلها، وهي أيضا قد يطول عمرها وقد يقصر، والملاحظ أن الدول في أول نشأتها كانت قصيرة العمر، ثم تعلم الخلف من السلف، واتقوا أخطاءهم ... فطال عمرها؛ فنجد مثلا أن عمر دولة الخلفاء الراشدين كان نحو ثلاثين عاما.
فجاءت الدولة الأموية فعاشت نحو مائة عام، ثم جاءت الدولة العباسية فعاشت أكثر من خمسمائة سنة.
والدول الغربية الحديثة تعلمت من أسباب سقوط الدولة اليونانية والرومانية، واحترست من أن تقع في مثل أمراضها ... فطال عمرها كثيرا، ولا يعلم إلا الله منتهاها، ولكنها على كل حال إلى النهاية المحتومة للأفراد والأمم، وهي الفناء، والدولة الأموية التي سبقت الدولة العباسية أخذت في الفناء من بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، واستمرت في طلوع الروح نحو ثلاثين سنة. (1) أسباب سقوط الدولة الأموية
ولسقوط الدولة الأموية أسباب، منها: أن الأمويين شددوا النكير على العلويين، وساموهم الخسف، وكان أولاد الحسين بعد مقتل أبيهم صغارا، فلما مضى الزمن شبوا، وحاولوا أن يأخذوا بثأر أبيهم، وكان أول حجر في سقوط بني أمية قتل سليمان بن عبد الملك لأبي هاشم، وقد عهد أبو هاشم عند قتله إلى محمد بن علي رأس العباسيين، وكان الأمويون يحذرون العلويين أكثر مما يحذرون العباسيين، وذلك أمكن العباسيين أن يبثوا دعوتهم ضد الأمويين في اطمئنان.
والثاني: أن الدولة الأموية كافأت رجالها العظام أسوأ مكافأة - والرجال العظام في الدول قليل - فلما فقدت الدولة الأموية رجالها فقدت جانبا عظيما من قوتها، فكان من رجال الدولة الأموية المخلصين: موسى بن نصير فاتح الأندلس، وخالد بن عبد الله القسري، ويزيد بن المهلب، وقتيبة بن مسلم، ومن خطأ الخلفاء الأمويين ظلمهم لأمثال هؤلاء الرجال، فقتلوا بعضهم؛ كخالد بن عبد الله، وقتيبة بن مسلم، ويزيد بن المهلب، وزج بموسى بن نصير في السجن.
وسبب ثالث؛ وهو: تباعد أطراف المملكة بسبب الاتساع في الفتوح، فبلغت دائرة ملكهم ما لم تبلغه قبلهم غير دولة الرومان؛ فما بين النهرين المعروف بالجزيرة، وإيران، وقسم من الأفغان، والتركستان، والقوقاز، وأرمينيا، وشبه جزيرة العرب، وسوريا، ومصر، والمغرب، والأندلس كلها دخلت في حوزة سلطانهم، وضبط هذه الأقطار المختلفة المترامية الأطراف صعب جدا، وخصوصا إذا كان الخلفاء ليسوا بالأقوياء الحازمين، بل من الضعفاء الذين يجرون وراء شهواتهم، ولذلك كان من حزم الدولة العباسية ، ومن قواعدها الأساسية عدم التوسع في الفتوح.
ناپیژندل شوی مخ
يضاف إلى ذلك: ما حبا الله به العباسيين من أمثال أبي مسلم الخراساني الذي نجح نجاحا باهرا في الثورة على الأمويين، والدعوة للعباسيين فاستطاع بذلك أن ينتقم من العرب جزاء وفاقا لما انتقم العرب من الفرس في مبدأ الإسلام.
وكان رجلا عظيم الشخصية جبارا، أدار الحرب على الأمويين في مهارة ونشاط وقسوة حتى نجح، ومع ذلك كافأه أبو جعفر المنصور أسوأ مكافأة بقتله بعد أن مهد له الطريق، وأزال منه كل ما اعترضه من عقبات ... شأن الأمويين في نوادر رجالهم، وشأن الرشيد - فيما بعد - فيما فعله مع البرامكة.
كل هذه الأسباب تجمعت، وكانت سببا في سقوط الدولة الأموية، وقيام العباسيين بعدهم ينكلون بهم، ويفتكون بكل من عثروا عليه منهم. (2) الأمويون والعباسيون
على كل حال ما أكبر الفرق بين الدولة الأموية والدولة العباسية ... كان الأمويون يحكمون البلاد حكما عربيا فيه بساطة وفيه عيوب القبلية، أما العباسيون فكانوا يحكمون البلاد حكما فارسيا، وكانت قصور الخلفاء الأمويين قصورا فخمة بسيطة كالذي نشاهده من آثارهم، وكانت قصور العباسيين فخمة معقدة، وكان المثل الأعلى للأمويين أمراء غسان وأمثالهم، أما المثل الأعلى للعباسيين فالأكاسرة.
وكان الولاة في العهد الأموي ذوي عقلية عربية أمثال زياد ابن أبيه، والحجاج، وخالد بن عبد الله القسري، أما في الدولة العباسية فوزراؤهم أمثال البرامكة ممن ينزعون نزعة فارسية، وهكذا ...
وربما اتفق الأمويون والعباسيون على أشياء أهمها شيئان: أولا: حصر الخلافة في بيت واحد ... هؤلاء يحصرونها في الأمويين، وهؤلاء يحصرونها في العباسيين، وتجري الخلافة على قانون الوراثة لا على قانون الشورى، ورأي أهل الحل والعقد، وكذلك: يتفقون في أنهم قلبوا الخلافة إلى ملك عضوض.
الملك العضوض
والفرق بين حكم الشورى والملك العضوض: أن الأول لا ينحصر في بيت ولا في ولي عهد، ولكن يستشار أهل الحل والعقد فيمن يصلح، ولذلك قالوا: إن بيعة عمر لأبي بكر كانت فلتة، وقى الله المسلمين شرها.
أما الثاني فكان الخليفة يعمل على تولية من رأى أن يخلفه، ولو كان غير أهل للخلافة، كما فعل معاوية مع يزيد، وكما فعل الرشيد مع الأمين.
ثانيا: أن كلا من الأمويين والعباسيين خافوا العلويين وكرهوهم، وسلطوا عليهم سيوفهم، مما ألف سلسلة طويلة كالتي رواها أبو الفرج الأصبهاني في كتابه «مقاتل الطالبيين.»
ناپیژندل شوی مخ
ولقد تكاتف العباسيون والعلويون على إسقاط الدول الأموية ... ثم انفرد العباسيون بالدعوة على أساس آخر. (3) نشأة الدولة العباسية
ذلك أن الذي قام بهذه الدعوة أبو العباس عبد الله بن محمد، وكان على جانب عظيم من الدهاء والسياسة.
فأسس نظرية جديدة خلاصتها: أن زعامة الإسلام الروحية بعد مقتل الحسين لم تنتقل إلى علي بن الحسين، إنما انتقلت إلى محمد ابن الحنفية، الذي أوصى بهذه الزعامة إلى ابنه عبد الله أبي هاشم، وهذا أوصى عند وفاته إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهذا أوصى إلى أبي العباس عبد الله بن محمد، ومن بعده إلى أبي جعفر المنصور، فراجت هذه الدعوة في بعض البلاد، وعاونهم في ذلك أبناء فاطمة أنفسهم؛ ظنا منهم أن تعاون البيتين أولا يكسبهم قوة، حتى إذا أسقطوا جميعا الدولة الأموية سهل تغلبهم على بني عبد الله بن عباس.
وكانوا في ذلك مخطئين ... بل كان الأمر هو العكس؛ فإنه لما استطاع البيتان إسقاط الدولة الأموية تغلب بيت العباس على بيت فاطمة، وأصبح للعباسيين خصمان كبيران: الأمويون والعلويون، فأخذوا ينكلون بهم جميعا، وقلما خلا خليفة عباسي من قتل إمام علوي، ولما حضرت الوفاة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أوصى بالخلافة لأولاده: إبراهيم المعروف بإبراهيم الإمام، وأبي العباس عبد الله، وأبي جعفر الملقب بالمنصور فتولى أبو العباس الخلافة، ووضع للدولة بعض أسسها، ونكل بأعدائها، وجاء أبو جعفر المنصور فسار سيرة أخيه، وأكمل الأسس، وأتم تشريد الأعداء.
وجاء بعده المهدي فصادف جماعة ينقمون على الإسلام نجاحه، ويودون إرجاع الدولة الفارسية كما كانت، وديانة الفرس الوثنية كما كانت، فقتلهم المهدي تحت ستار أنهم زنادقة، وعهد بالخلافة إلى ابنه الهادي ثم الرشيد ... فجاء الهادي يريد أن يخلع الرشيد، ويحمل الناس على البيعة لابنه جعفر، وكان الهادي شرسا قويا جبارا، وكان الرشيد لينا مطواعا، فلما علم من أخيه ذلك مال إلى إجابته.
ولكن عصاه يحيى البرمكي - وكان ولي أمره إذ ذاك - ولما اشتد الهادي على يحيى البرمكي والرشيد، نصح يحيى للرشيد بأن يسافر إلى مكان بعيد؛ ليختفي عن أعين الهادي فلا يذكر هذه المسألة إلا لماما.
على أريكة الخلافة
تولية الرشيد
كان من حسن حظ الرشيد أن لم تطل خلافة الهادي فمات سريعا، ومات فجأة ... فلم يغير البيعة، وتولى الرشيد مكانه، وجلس على العرش، ونال حظوة عظمى، فلم يعرف الغرب عن الشرق كما عرف عن الرشيد، وذلك لأسباب كثيرة، أولها: شدة العلاقة التجارية والسياسية بين الرشيد وملوك أوروبا في ذلك العهد، وثانيها: ما صورته كتب الأدب والشعر عن مجالس الرشيد، ثالثها: القصص والحكايات التي روتها عنه ألف ليلة وليلة، من صور رائعة جذابة ... هذه صورة له يتعسس بالليل مع جعفر البرمكي، ومع خادمه مسرور في أزقة بغداد، وهذه صورة أخرى يمتحن فيها الفتيات، وهذه صورة ثالثة في المنادمة على الشراب والغناء، وهذه صورة رابعة ينصف فيها المظلوم، ويحقق العدالة، وعلى الجملة، فقد صور ألف ليلة وليلة الرشيد تصويرا بديعا لطيفا، كما صور لنا أسواق بغداد، وكيف تزخر بالسلع، وكيف تتوارد عليها من كل مكان، وحركة التجارة نشيطة مليئة.
هارون الرشيد على أريكة الخلافة.
ناپیژندل شوی مخ
وتصور لنا مجالس الرشيد، وما فيها من بذخ وترف، إلى غير ذلك مما يعد دعاية واسعة للرشيد.
الرشيد وألف ليلة
وهنا نتساءل: لماذا كانت ألف ليلة وليلة داعية للرشيد من دون غيره من كبار خلفاء بني أمية كعبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، أو من كبار بني العباس كعبد الله بن محمد، وأبي جعفر المنصور؟ وكلهم في الحقيقة أعظم من الرشيد وأفخم وأعدل ...
فكرت في ذلك طويلا ... فاهتديت إلى جواب - قد يكون صحيحا - وهو: أن ألف ليلة وليلة ترجم في عصور مختلفة، وزيد عليه في عصور مختلفة ، فكان أول ما ترجم عن الفارسية هذا القسم البغدادي في عصر الرشيد، فتملقه المؤلفون لظهور الكتاب في أيامه، واتقاء لما حدث لعبد الله بن المقفع حين ترجم كليلة ودمنة، وقد أومأ إيماءة خفيفة إلى ظلم الخلفاء والحكام، وذلك بوصفه للملك العادل، وما ينبغي أن يكون عليه، ونقمته على الملك الظالم، وكيف يكون ... مما دعا إلى قتله بتهمة الزندقة.
وكانت ترجمة ألف ليلة وليلة على كل حال مسايرة لترجمة كليلة ودمنة، ترجمة من نوع خاص؛ لا هي بالحرفية، ولا هي بالمعنى فقط، ولكن ترجموا المعاني مصبوغة بالصبغة الإسلامية؛ من اعتقاد في القضاء والقدر، ومن تقدير للحظ، ونحو ذلك.
فلما رأى القاص المترجم ما حدث لابن المقفع اتقاه، وبالغ في الحفاوة بالرشيد ... ليتقي القتل. •••
وقد يكون هناك سبب آخر؛ وهو أن الرشيد لما علم بمترجم الكتاب أفاض على المترجم من عطائه، وفهم أن هذه خير دعاية له كما تفعل بعض الهيئات السياسية من شراء بعض الجرائد بالمال، وربما يكون السببان جميعا صحيحين.
وربما ترجم جزء آخر من ألف ليلة وليلة في عهد الخليفة العباسي المعتضد فمدح أيضا، وخلعت عليه صفات عمر بن الخطاب والرشيد.
أما القسم المؤلف في مصر فقد وقف موقفا آخر، واصطبغ بصبغة أخرى ليست موضوع حديثنا هنا.
على كل حال أشادت ألف ليلة وليلة بذكر هارون الرشيد إشادة عظيمة في علمه وعدله ولهوه، وغير ذلك. •••
ناپیژندل شوی مخ
وكان من حسن حظ الرشيد رواج ألف ليلة وليلة رواجا عظيما في الغرب، ووقوفهم على قيمتها، عكس ما كان ينظر الشرقيون إليها قديما؛ فقد وصفها ابن النديم بأنها قصص تافهة، ولكن الغربيين رأوا فيها خير ما يمثل الحياة الاجتماعية، فيما تروي من عقائد، ومن حوار، ومن مكر نساء، ومن لعب شطرنج إلى غير ذلك، ورأوا أنها تمثل الشرق من جميع نواحيه، فعنوا بها من نواح مختلفة ...
فأولا:
من جهة نشر نصوص الكتاب التي عثروا عليها.
وثانيا:
من جهة ترجمتها إلى لغات غربية مختلفة.
وربما كان أول من ترجمها إلى الفرنسية الأديب الفرنسي «جالان» ثم «إدوارد لين» إلى الإنجليزية، ثم «لتمن» بالألمانية.
وقد راجت هذه الترجمات رواجا منقطع النظير، وكان في رواجها رواج للرشيد معها، فلما رآها المترجمون قد راجت، وقرأها الكثيرون شغفوا بالرحلة إلى البيئات التي نشأت فيها ألف ليلة وليلة، ودعاهم ذلك إلى تعلم اللغة العربية، ووضع كتب فيما شاهدوه على أثر هذه الرحلات.
ثم كانت الخطوة الثالثة، وهي استغلال هذه الترجمة باستيحائها، ووضع قصص أحيانا للأطفال، وأحيانا للكبار، وأحيانا تمثيلية، وأحيانا غير تمثيلية، وهكذا.
وكلها عملت لهارون الرشيد عمل السحر، مما لم تعمله أية دعاية لأي ملك آخر.
الخليفة العباسي
ناپیژندل شوی مخ
ولم يكن الخليفة العباسي حاكما مدنيا فحسب؛ بل هو أيضا حاكم روحي يحاط بهالة من ضروب الشرف والتوفير والاحترام، فلما مات الهادي بويع الرشيد كما تجري المراسم، فجلس على سرير الملك، وامتلأت الأبهاء على سعتها بكبار رجال الدولة، ومن يسمون عادة أهل الحل والعقد، وبدأت البيعة أولا بالأمراء الذين يتقدمون إلى العرش، ويقرأون صحيفة البيعة، وينفذون الأيمان التي أخذت عليهم من قبل، وبايع بعدهم الوزراء وأولادهم، ثم أصحاب الشرطة.
وبعد أن تم ذلك، انعطف إخوة الخليفة والوزراء والأشراف على شكل دائرة بجانبي العرش، ووقف الحاجب بالباب يأخذ البيعة من الناس، وكتب إلى أمراء الأمصار ليأخذوا البيعة من كبار الرجال في دائرتهم، فلما تم ذلك تمت الصبغة القدسية للرشيد، وتمت له السلطة المدنية والروحية، وهي حالة لا نستطيع أن ندركها في عصرنا اليوم. •••
فمما فعله الرشيد أن سمى بغداد مدينة السلام تشبيها لها بدار السلام، وسمى قصر الخلافة بالحريم تلميحا إلى البيت الحرام، وجلب بعضا من أبناء الأنصار، وسماهم بالأنصار، وجعل بابا من أبواب بغداد قليل الارتفاع، لكي ينحني الداخل منه تشبيها بالسجود احتراما للخليفة ... كما يفعل الداخل إلى الكعبة، وسمى الخيزران أم الخلفاء تشبيها بما سمى به الرسول عائشة أم المؤمنين.
واستكتب العلماء في وضع الأحاديث التي تمجد بيت بني العباس؛ كالذي رواه الطبراني عن ابن عمر كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في نفر من المهاجرين والأنصار، وعلي بن أبي طالب عن يساره، والعباس عن يمينه، فتلاحى العباس ونفر من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس.
فأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم
بيد العباس وبيد علي، وقال: «سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جورا وظلما، وسيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطا وعدلا، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي، فإنه يقبل من قبل المشرق، وهو صاحب راية المهدي.»
ويظهر أن واضع هذا الحديث ماكر زائد في المكر؛ فإنه جعل روايته ذات وجهين، حتى إذا غلب فريق ادعى أنه هو المراد؛ لأنه لم يعين المشار إليه في كل مرة فأخذه دعاة بني العباس وأولوه لهم؛ لأنهم أصحاب الرايات.
ناپیژندل شوی مخ
وأغرب من هذا ما رواه الحاكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال مجاهد: قال لي ابن عباس: «لو لم أسمع أنك من أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث» قال: فقال مجاهد: «فإنه في ستر لا أذكره لمن يكره»، قال: فقال ابن عباس: «منا أهل البيت أربعة: منا السفاح، ومنا المنذر، ومنا المنصور، ومنا المهدي»، قال: فقال مجاهد: بين لي هؤلاء الأربعة، فقال ابن عباس: «أما السفاح؛ فربما قتل أنصاره، وعفا عن عدوه، وأما المنذر؛ فإنه يعطي المال الكثير، ولا يتعاظم في نفسه، ويمسك القليل من حقه، وأما المنصور؛ فإنه يعطى النصر على عدوه، ويرهب منه عدوه على مسيرة شهر، وأما المهدي فإنه الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وتامن البهائم السباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، قال: قلت: «وما أفلاذ كبدها؟» قال: «أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة».»
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ومنه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وقد خرج له مسلم، والحديث كما يظهر مصنوع حكي بمهارة كما يحكى الحديث الصحيح.
وكلها أحاديث وضعت لخدمة البيت العباسي، والإشاعة بين الناس أنه بيت مؤيد من الله مقدر على العباد فلا معنى لمقاومته.
يحيى البرمكي
ولما تربع الرشيد على كرسي الخلافة الذي كان متربعا عليه من قبل أخوه الهادي، وأبوه المهدي، كان أول ما فعل أن أسند الوزارة إلى يحيى البرمكي؛ اعترافا بجميله ... فقد كان مربيا له في صغره، وكان المدافع عن ولايته للعهد في شبابه، وكان الرشيد يناديه: يا أبت! دلالة على حبه والوفاء له، وكان يستشيره في جميع الأمور ما صغر وما كبر، ومنحه سلطة مطلقة لتسيير أمور الدولة كما يرى.
وكانت وزارته وزارة تفويض، والوزارة في الدولة الإسلامية تنقسم إلى قسمين؛ وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ ... فوزير التفويض يستطيع أن يفعل ما يشاء من غير أن يرجع إلى خليفته، وله الحق أن يولي من يشاء، ويعزل من يشاء، وأما وزير التنفيذ فليس له أن يفعل أمرا ابتداء من عند نفسه، إنما يفعل ما يأمر به الخليفة. وكان ليحيى هذا أبناء أربعة: الفضل، وجعفر، وموسى، ومحمد ... وكلهم على جانب عظيم من الحنكة السياسية، وولوا أعمالا عظيمة في الدولة، واشتهر منهم الفضل بن يحيى، وجعفر بن يحيى.
اشتهر الفضل بالكرم الذي لا حد له، وكان في ذلك يفوق كل أهل بيته، واشتهر جعفر بالقرب الشديد من الرشيد، وبالكرم دون كرم الفضل، وبالبلاغة فوق بلاغة الفضل.
وكان الخليفة في هذا العصر حاكما مستبدا برأيه، يهيمن على كل شئون الدولة، وفي يده جميع السلطات، ويشرف على الرسائل الرسمية، وعلى تعيين أمراء الأمصار وعزلهم، ووزيره ينوب عنه في ذلك، وكانت كل الأعمال التي يتولاها الوزير يتولاها إما برأيه أو منفردا عنه، ولم تكن شئون الدولة مقسمة إلى وزارات، كل وزارة لها اختصاص، فإن بغداد لم تعرف هذا النظام، بل كان الوزير وزير كل شيء؛ وزيرا للمال، ووزيرا للشئون الاجتماعية، ووزيرا للأشغال، إلى غير ذلك، كما كان الخليفة كل شيء، وإنما عرف نظام التخصيص، وإسناد كل طائفة من الأعمال إلى وزير، وتعدد الوزراء الأندلس لا الشرق ... وهذا ما جعل الوزير في الشرق واسع السلطان، يحمل كل المسئوليات. •••
وبجانب الوزير والخليفة، كان هناك مجلس استشاري، يتألف من الوزير وبعض العائلة المالكة، وهذا المجلس يستشار في المسائل العامة الكبيرة؛ كإيرادات الدولة ومصروفاتها، وتعيين كبار الموظفين وعزلهم، ومن الأسف أن ليس لدينا تفصيل كبير عن عدد أعضاء هذا المجلس ، ولكنا نعلم أنه مجلس استشاري، للخليفة والوزير أن يأخذا برأيه أو يخالفاه، لا كما كان نظام الشورى في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
ناپیژندل شوی مخ
والخلفاء الراشدين، ولا كما كان مجلس الشورى في الأندلس؛ إذ كان له من السلطان ما يستطيع به أن يقضي على الخليفة ويلزمه بحكمه.
وبجانب ذلك كان صاحب البريد، وكان ذا شأن عظيم في الدولة؛ فهو بطبيعة عمله يجمع الأخبار من كل قطر بواسطة أتباعه، ويتجسس بواسطتهم على من بيدهم السلطة، وإذا كانت هنالك مؤامرة أو دسيسة، أو حض على الثورة أخبر بها الخليفة سريعا، وكانت إدارة البريد منظمة تنظيما دقيقا، وإذا استطاع الخليفة أن يحجب كل إنسان فلا يصح له أن يحجب صاحب البريد؛ لأن تأخير ساعة واحدة ليلا أو نهارا قد يجعل الأمر الخفيف مستفحلا، ويجعل ما كان يتغلب عليه باليسير لا يتغلب عليه بالكثير. وكان من شأن صاحب البريد التجسس في الداخل وفي الخارج جميعا، ومن المتجسسين رجال ونساء، ومنهم تجار متخفون، وغير تجار، مما يشبه ما عليه الأمم الغربية في هذا العصر.
توزيع الأمراء
وهناك أمير على كل قطر ينوب عن الخليفة؛ يضرب الضرائب، ويحصل الأموال، ويصرف مما تحصل على الإصلاحات العامة، وما بقي منها يرسله إلى الخليفة في بغداد، وقد بلغ ما دخل خزانة الخليفة كل سنة في عهد الرشيد حوالي 411 مليون دينار، وكانت الإمارات في عهد الرشيد تتألف من الجزيرة، وأذربيجان، وأرمينيا، ومكة، والمدينة، واليمامة، واليمن، والكوفة، والبصرة، والبحرين، والسواد، وعمان، وعراق العجم، وخراسان، وما وراء النهر، والبنجاب، والسند، والأهواز، وجنوبي فارس، والموصل، والشام، ومصر، وعلى كل إمارة من هذه الإمارات أمير يتولى أمورها، وهو مسئول عن شئونها المادية والروحية أمام الخليفة، وإذا حصلت ثورة أخبر الخليفة، وكان عليه أن يخمدها.
وبجانب ذلك أيضا كان أستاذ الدار - أو كما يقال مختصرا الأستاذ - أو كما يسمى اليوم: ناظر القصر، وهو يقوم بكل شأن من شئون الدار، ومراعاة زواره، وما يأمر به الخليفة من تنظيم حفلات كما يقوم على طعام الخليفة وشرابه، وطعام حاشيته وشرابها، إلى غير ذلك.
ثم كان ديوان الرسائل يتولى تدوين توقيعات الخليفة، وإعداد المراسيم، وما يصدر عن الخليفة، وما يرد إليه.
وكان بكل مدينة شرطة يحملون ألقابا عسكرية خاصة ... ثم كان المحتسب الذي يشرف على كثير من الشئون الاجتماعية؛ فيؤدب السكير، والمطفف في الكيل والميزان، ومن احترف حرفة ليس أهلا لها، ويستوثق من صلاحية السلع التي تباع، وعدم بهرجة النساء، ونحو ذلك.
أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد
أحيط الرشيد بأبهة الدولة ومباهجها مما أخذته الدولة العباسية عن الفرس؛ ذلك أن مجالس الخلفاء الراشدين كانت ساذجة بسيطة، في المسجد، أو في المنزل، يقعدون على حصير أو جلد، ويلتفون بعباءة أو نحوها، ولا حرس ولا حجاب، وإذا بعثوا قائدا مشى الخليفة في وداعه بلا حرس ولا طبول، ولم تكن هناك حجابة ولا حجاب، بل كان من أراد الاستئذان على الخليفة يقف على الباب، ويقول: «السلام عليكم ... أدخل؟» يكررها ثلاثا، فإن قيل له: «ادخل» دخل، وإن لم يجب لم يدخل، ثم اضطر الخلفاء الراشدون أنفسهم للحجاب للازدحام، فلما فتحوا الفتوح من أقطار كان يحكمها الرومانيون، وأقطار كان يحكمها الفرس، قلدهم الأمراء والخلفاء في مظاهر الأبهة، واتخاذ الحجاب.
وقد بدأ ذلك معاوية بن أبي سفيان في دمشق، وأشاروا عليه بضروب من الفخفخة، فرتبوا الناس مراتب في الدخول على الخليفة أو الأمير، يؤذن أولا للأشراف نسبا، فإذا تساووا في النسب قدموا أكبرهم سنا، فإذا تساووا في السن قدموا أكثرهم أدبا، وقلد الأمويون ملوك الروم، وقلد العباسيون أكاسرة الفرس في مجالسهم ومظاهر أبهتهم.
ناپیژندل شوی مخ
أبهة واستبداد
فلما جلس الرشيد كانوا ينصبون له في الساحة الكبيرة في القصر سريرا وكراسي، ويفترشون له الطنافس والمصليات، والوسائد تطوى طيتين، وكانت الستور تقام لتحجب الخليفة إذا أراد، وتزاح إذا أراد، ثم عينوا الحجاب على الأبواب ليمنعوا الدخول على الخليفة إلا بإذن، فإذا أذن الخليفة أو الأمير لأحد تقدم بالسلام، وربما أضافوا إليها السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وربما قبلوا يد الخليفة عند التحية إذا أحس القادم رغبة من الخليفة في ذلك، فلما ازدادوا عظمة ترفعوا عن مد يدهم للداخلين.
وفي عهد العباسيين اخترعت بدعة تقبيل اليد أو الكم، فإذا استعظموا قائدا منعوه من تقبيل يدهم أو كمهم، ثم يجلسون في مجلس الخليفة حسب مرتبتهم، يتولى إجلاسهم في مجالسهم الحاجب، وهذه تختلف باختلاف الدول ...
فكان الأمويون في عهد بني أمية يجلسون الأمويين أقرب مجلس للخليفة، أما العباسيون فكانوا يجلسون بني هاشم أقرب مجلس إليهم؛ لأنهم أنفسهم من بني هاشم، وإذا أجلسوا بني هاشم أجلسوهم على الكراسي، وأقعدوا بني أمية أعداءهم على الوسائد، وقلما كان يكون ذلك، وقد منع الخلفاء العباسيون الكلام، ومخاطبة الزائرين بعضهم لبعض في مجلس الخليفة، ولا ينهض أحد لداخل إلا إذا نهض الخليفة، ثم هم لا يبدأون الخليفة بكلام إلا أن يبدأ، فإذا لم يكلمه ظل ساكتا. •••
ولم يشذ عن ذلك إلا المأمون؛ لرغبته في سماع الجدل والمناظرة، وغلبة ذلك عليه أكثر مما يميل إلى التقاليد المرعية، وربما قلده فيه غيره من بعض الخلفاء الذين أتوا بعده، ومنعوا أن يؤمر أحد في حضرة الخليفة بأمر ليكون هو الآمر وحده، وطلبوا إلى الداخل أن يصغي بكل جوارحه إلى الخليفة، وينتبه كل انتباهاته إلى إيماءات الخليفة وإشاراته، ومنعوا أن يعزى الخليفة، وأن يسأل كيف أصبح، وكيف أمسى، وإنما يجوز ذلك لطبيبه الخاص، وبالغوا في الحجاب.
وكان لكل خليفة كلمة أو إشارة يقولها عند الإذن من حضرته بالانصراف، فكان السفاح - مثلا - يتثاءب، ويلقي المروحة من يده، وكان المأمون يعقد الإصبع الوسطى بإبهامه، وكان من انصرف يوجه وجهه نحو الخليفة حتى يصل إلى الباب بظهره ثم ينصرف، وكان على باب قصر الخلد في عهد الرشيد مكان يجتمع فيه الوفود من شعراء ومغنين ومضحكين، لعله يخطر ببال الخليفة طلب نوع منهم، وتكون له الحظوة، وشجع على ذلك كثرة ما كان يعطيه للوافدين، أو مما يعرضه تجار الجاريات والسلع، وكثيرا ما تصطدم عطاءاته برغبة الوزير، كالذي حكي أنه أمر مرة بشراء جارية مغنية بآلاف من الدراهم، فاستكثرها يحيى البرمكي ... فأحضر المبلغ، وكومه في مكان يطلع عليه الرشيد في ذهابه إلى الوضوء وجيئته.
فلما رأى الرشيد المبلغ استكثره، ومع ذلك صمم على تنفيذه إرادته، وانتقد يحيى البرمكي في سره حتى قالوا: إن هذه الحادثة أيضا من أسباب نكبتهم ... •••
ولقد كان المظهر مظهر أبهة وفخفخة واستبداد وتقاليد دقيقة، في الجلوس والحديث والانصراف، مما ورثوه عن الأكاسرة من قبل، ولا يعرفها الإسلام، وهذه كلها خلعت قلوب الناس، وأماتت روحهم، وجعلتهم كأنهم أحجار شطرنج مفقودة الإرادة، كما أن هذه السلطة الواسعة للخليفة مكنت للرشيد أن يتصرف في الناس تصرف الحاكم المستبد المطلق الحرية، ولولا ذلك ما أمكنه أن يقبل - مثلا - كل الإقبال على البرامكة، فتكون لهم السلطة المطلقة ... ثم ينقلب عليهم، وينكل بهم، ويصادر أموالهم، ومن يلوذ بهم.
فالنظام السائد إذ ذاك كان نظاما منسجما يناسب بعضه بعضا؛ ففي حكم الرشيد - مثلا - استبداد لا إلى حد أحيانا، وسماحة لا إلى حد، ولا يدري من يطلبه الخليفة أذاهب هو إلى القبر؟ أم راجع بآلاف الدنانير؟ إذ لا قوانين ولا اتهام، ولا دفاع للمتهم عن نفسه، ولا عمل بقانون شرعي أو قانون وضعي، فرقاب الناس كلهم معلقة بفم الخليفة ... قد يأمر بالسعد كله، وقد يأمر بالشقاء كله، وكل الأمور من معاملة الولاة للرعية، والرعية للوالي، وعلاقات الناس بعضهم ببعض تتشابه، وقديما قالوا: «الناس على دين ملوكهم.»
ومع هذا فيجب أن ننظر للرشيد على أنه حاكم شرقي مستبد له كل مزايا الحاكم المستبد من إغناء من شاء، وإسعاد من شاء، وسرعة التنفيذ فيما يرى، والخضوع والطاعة من غير تعب، وفيه رزايا الحاكم المستبد من سفك دماء من شاء، وسلب الناس حقوقهم وحرياتهم، وخضوع الناس للهوى الذي لا يعرف أين يتجه، لا لقانون معروف، ونحو ذلك.
ناپیژندل شوی مخ
ميزانية الدولة
وقد عثر على ميزانية للدولة العباسية من إيرادات ونفقات، شأن الميزانيات في هذا العهد، وإن كانت الميزانية التي عثرنا عليها ميزانية لعصر بعد عهد الرشيد بقليل. نكتفي ببعضها، فمنها:
1000 دينار في اليوم أرزاق أصحاب النوبة من بوابين ومماليك.
1500 دينار في اليوم أرزاق الفرسان.
600 دينار في اليوم أرزاق المختارين من الجند .
333 دينارا في اليوم نفقات المطابخ الخاصة والمخابز.
4 دنانير في اليوم أرزاق السقايين بالقرب في القصر.
100 دينار في اليوم أرزاق الحشم من المستخدمين لخزائن الكسوة والصناع والرفائين والمطربين.
44 دينارا في اليوم أرزاق الجلساء، وأكابر الملهين، ومن يجري مجراهم.
400 دينار في اليوم ثمن علوفة للخيول في الاصطبلات.
ناپیژندل شوی مخ
20 دينارا في اليوم أرزاق مشايخ بني هاشم، والخطباء في المساجد.
33 دينارا في اليوم أرزاق لبني هاشم من العباسيين والطالبيين.
4 دنانير في اليوم ثمن النفط للنفاطات والمشاعل ومن يخدمها.
50 دينارا في اليوم نفقات السجون.
15 دينارا في اليوم نفقات البيمارستانات ... إلخ.
وقد جمعت النفقات كلها فكانت جملتها 6974 دينارا في اليوم، أما الدخل فكان من الصدقة، والزكاة، والجزية، والخراج، والمكوس، وأعشار السفن، وأخماس المعادن، والمراصد «الجمارك»، وغلات ضرب النقود، وضرائب الصناعة ... إلخ.
وكان فضل خليفة على خليفة، وعهد على عهد في الموازنة بين الدخل والخرج، أما إذا اختلت الميزانية فقد اختلت شئون الدولة، ويكون ذلك من قلة الدخل مع كثرة الخرج، أو من كثرة الدخل مع قلة الخرج، وضياع المصالح. •••
وكانت مراسيم التعيين في غاية من الروعة والبهاء؛ فكان من يستوزر يأتي إلى القصر بعد أن يصله الكتاب الرسمي يحمله إليه أميران من أمراء الدولة، وعند خروجه إلى باب الخليفة يقدمه الحاجب إليه، فيتحدث إليه قليلا ثم يذهب إليه قليلا، ثم يذهب إلى حجرة أخرى، فيلبس لباس التشريف، ثم يعود فيقبل يد الخليفة، وينصرف إلى الديوان ممتطيا فرسا مطهمة، وبين يديه كبار الموظفين والجيش والأمراء وموظفو البلاط، وعندما يصل إلى ديوانه يقرأ عليهم مرسوم التعيين.
مجلس الخليفة
وكان مجلس الخليفة - ويسمى مجلس العزيز - يقابل الباب العالي في الدولة العثمانية، وكان من أهم الدواوين: ديوان الخراج، وديوان الضياع السلطانية، أو كما نسميه اليوم ديوان الخاصة الملكية، وديوان الزمام، وهو ما يقابل اليوم مراقبة الحسابات، وديوان الجند، وديوان الموالي والغلمان، وديوان البريد، وديوان زمام النفقات، وديوان التوقيع، وديوان الأحداث والشرطة، وديوان العطاء، وديوان المظالم، وهو ديوان أعلى من المناصب القضائية ؛ لأنه كان ينظر في المظالم التي يتهم فيها الملوك أو الخلفاء أو الأمراء أو الولاة على العهد أو أولاد الخلفاء، أو نحو ذلك ممن لا يستطيع القاضي العادي أن ينفذ فيهم كلمته، فكان هذا الديوان يسمع الشكاوى من هؤلاء الخاصة، ويستطيع بواسطة رياسة الخليفة أن ينفذ كلمته.
ناپیژندل شوی مخ
وقد كان الرشيد - ومن بعده المأمون - يرأسان هذه المجالس، وكانوا يفردون يوما خاصا للنظر في أقوال المتظلمين، ويقولون: إن أول من فعل ذلك عبد الملك بن مروان في الدولة الأموية، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم وقف العمل إلى أن استقرت الدولة العباسية ورأسه المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم المأمون.
واستمر العمل به إلى زمن المهتدي بالله، ثم عهد الخلفاء النظر في المظالم إلى قاضي القضاة، أو إلى بعض عظماء الدولة. وكان يعرف أن المأمون كان يجلس للمظالم يوم الأحد من كل أسبوع، ولسنا نعلم أي يوم كان يجلس الرشيد فيه للقضاء في هذه المظالم.
دار الضرب
وكانت هناك دار تسمى دار الضرب، تضرب فيها النقود ... أنشئت في بغداد، والقاهرة، ودمشق، والبصرة، وكان على دور الضرب هذه ضريبة على ما يضرب فيها من النقود، مقدارها درهم عن كل مائة درهم، وربما اختلفت الضريبة باختلاف المدن، وتجمع من ذلك دخل كبير للدولة، أما مقدار ما كان يضرب فلم نعرفه بالضبط. غير أننا رأينا بعض المؤرخين يقول: إن دار الضرب في الأندلس على عهد بني مروان كانت تضرب مائتي ألف دينار في السنة.
وكانت صناعة الضرب هذه صناعة ساذجة بدائية ... قالب من حديد تنقش فيه الكلمات التي يراد ضربها على النقود مقلوبة، يسيحون الذهب والفضة بمقدار، ويصبونها في هذه القوالب، ويطرقونها بمطرقة ثقيلة، ويسمون هذه الحديدة «السكة»، وهناك عمال كثيرون في هذه الدار ... من وازن وضارب، ونحو ذلك.
القضاء
ولكل ديوان اختصاصاته، بعضها إداري وبعضها قضائي، كديوان القضايا، وكان على جانب عظيم من الأهمية، وكانت كل القضايا لغير المسلمين توكل إلى رؤساء ديانتهم، أما المسلمون فكان يفصل بينهم القضاء، وكان في كل حاضرة قاض يتبعه قضاة في النواحي التابعة للمدينة، وكان قاضي بغداد يسمى قاضي القضاة، وهو في الواقع رئيس قضاة المملكة الإسلامية كلها، أما القضايا الخاصة بين الناس فتعهد إلى صاحب ديوان المظالم كما ذكرنا، وأحيانا يرأس الجلسة الخليفة نفسه، وينوب عنه في غيابه أحد كبار الموظفين، وأعضاؤها: قاضي القضاة، والحاجب، وكبار رؤساء الدواوين، وكان من العادة المألوفة ألا تقبل شهادة كل شاهد، وإنما يختار جماعة من حسني السيرة، أو على الأقل مستوري الحالة يسمون عادة بالعدول، ولا تقبل الشهادة إلا منهم، فمن أراد أن يثبت حادثة حدثت تحرى أن تؤدى أمامهم، وكانت على العموم محاكم بدائية لم تنظم تنظيما تاما إلا في عهد نور الدين محمود زنكي.
الزراعة والصناعة
وعني في عهد الخلفاء العباسيين بالزراعة، وخاصة في الولاية التي بين دجلة والفرات؛ فامتدت شبكة من القنوات في الترعة لا تزال آثارها المطمورة باقية إلى اليوم، والترع الكبيرة تمخر فيها السفن الكبيرة، هذا القسم الذي بين دجلة والفرات هو الذي يسمى سواد العراق لكثرة خصبه. وعنوا عناية كبيرة بفحص المواد المعدنية، واستخراج الحديد والرصاص والفضة من فارس وخراسان، كما استخرجوا الزمرد من تبريز، والملح والكبريت من شمالي فارس، والقير والنفط من كورجيا، ومن ثم أنشأوا إدارة للمناجم، وولوا عليها مديرين أكفاء.
كما كانوا يشجعون الصناعات: كصنع الصابون والزجاج، وشيدت لهما مصانع في بغداد وسامرا، واشتهرت مصر وسمرقند وبغداد بصنع الورق، وأتي إلى بغداد بطائفة من مهرة هذه الصناعة، وأسست مصانع للتطريز، وتفوقوا في صناعة الحرير والأطلس والأنسجة الحريرية والسجاجية الفاخرة، وقد اشتهرت الكوفة بكوفياتها الحريرية، وغيرها.
ناپیژندل شوی مخ
واشتهرت صناعة العباءات النفيسة من حرير الخز، وعلى الجملة اشتهرت كل مدينة بصناعة، وعلقت المصابيح البلورية في المساجد ومساكن الأغنياء، وكانت مزدانة بالنقوش الجميلة والآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وكانت تصنع هذه المصابيح على أشكال مختلفة، وتباع إما للاستعمال أو للزينة، وقد بقيت منها بقية أثرية إلى اليوم، ويصف لنا بشار - الأعمى - كأسا عليها صورة كسرى بقلنسوته، ورسم حد للخمر الصرف، ورسم حد آخر للماء الممزوج به .
ازدهار التجارة
وازدهرت التجارة في عهد هارون الرشيد، وكانت أول الأمر في يد اليهود والنصارى، ثم انتقلت إلى المسلمين، وقد كثرت أسواقها، واتسعت مناحيها، حتى وصلت إلى الصين، وهم يتجرون في الحرير، والأحجار الكريمة، والأقمشة المزخرفة، والزجاج الملون، ونحو ذلك.
وكانوا ينقلون بضائعهم على قوافل متعددة تسلم كل قافلة ما بعدها كمراحل البريد.
وقد هم الرشيد بحفر قناة السويس قبل ديلسبس بألف عام، وامتدت تجارتهم شرقا إلى إندونيسيا، وغربا إلى مراكش وإسبانيا، ويدل على ازدهار التجارة في عهد الرشيد وخلفائه كثرة الدخل الذي كان يجبى من الأقطار الإسلامية.
الجيش
واشتهرت الدولة العباسية بمهندسين يشيدون العمارات الفخمة، وبعضهم اختص ببناء الحصون، وبعضهم ألف الكتب في الهندسة الحربية؛ كالتعبئة وطرق الاستيلاء على الحصون، وتشييد القلاع والفروسية والحصار، وصفات الخيول وأنواع الخيالة، وكان النظام السائد هو نظام الإقطاع، وهو جمع قطيعة، وسميت أماكن كثيرة بقطيعة فلان، وكان مرتب الجندي مائة درهم شهريا - وزيد بعد ذلك في العصر العباسي - وهذا للجندي الراجل، أما الفارس فكان مرتبه ضعف ذلك، عدا ما يمنحه الخليفة للجنود في المناسبات المختلفة.
واشتهر نظام في الجيش يسمى نظام الموالي؛ فكان لكل خليفة جيش ينتمي إليه، وكان من مقتضى هذا النظام تعلق الجنود بمولاهم والاعتزاز به والتحصن به.
وكان هناك ديوان يسمى ديوان العرض ملحقا بديوان الحرب، من وظيفته استعراض الجند، ومعرفة كفايتهم.
ولذلك نجد أناسا كثيرين يلقبون بالعارض، وكان لكل مرفق من مرافق الدولة مفتش يسمى بالمشرف، وكان مفتش الري والزراعة يسمى مفتش الأقرحة، ومن وظيفة هؤلاء المفتشين التفتيش، كل في دائرة اختصاصه، ورفع التقارير عنها إلى الخليفة.
ناپیژندل شوی مخ
النظام الاجتماعي في عهد هارون الرشيد
(1) التقاليد الفارسية
انقلب النظام الاجتماعي الأموي في العصر العباسي رأسا على عقب؛ فبعد أن كانت الدولة الأموية تقيم نظامها على العنصر العربي والدم العربي، أصبحت الدولة العباسية تقيم أساسها على الدم الفارسي والتقاليد الفارسية؛ ولذلك قال الشاعر:
إن أولاد السراري
كثروا يا رب فينا
رب أدخلني بلادا
لا أرى فيها هجينا
وكان الخلاف بين الأمين والمأمون في الحقيقة خلافا بين عنصرين: عنصر العرب، وعلى رأسه هرثمة بن أعين، وعنصر الفرس، وعلى رأسه طاهر بن الحسين، ولكن مهما اختلف العنصران فقد تمازجا، وتزوج العرب بالفرس، والفرس بالعرب، ونشأت حركة عنيفة تسمى حركة الشعوبية تنادي بتساوي الأجناس، وساعد على ذلك كثرة السراري، والإماء اللاتي كن يملأن البيوت، فكان كل رجل يتزوج بحرة أو حرتين إلى أربع، وتحت يده من شاء من الجواري بملك اليمين، وهؤلاء الجواري كن أكثر حرية؛ بفضل تعرضهن للبيع والشراء، والانتقال من يد إلى يد عكس الحرائر، وذلك عكس المظنون؛ فقد كان المظنون أن تكون الحرائر أكثر حرية، كما ساعد على ذلك أيضا كثرة العلماء من الموالي، ونفورهم من سيادة العرب عليهم.
تعدد الزوجات
ولكن مع الأسف كان تعدد الزوجات وكثرة الجواري سببا في انحلال البيوت؛ فقد كان هذا النظام محمودا يوم كان مرتبطا بالجهاد؛ مما أدى إلى كثرة النساء دون الرجال، واقتضى ذلك اختصاص عدد من النساء برجل واحد، ولكن لما قل الجهاد أو بطل على توالي الزمان، وظل التشريع كما هو نتج عن ذلك انحلال الأسر.
ناپیژندل شوی مخ
فطبيعي أن البيت الواحد إذا كان فيه حرائر متعددات وملك يمين متعددات، كثر الخلاف بين الحرائر بعضهن وبعض، أو بين الحرائر والإماء، وبين الأولاد لتعدد أمهاتهم، خصوصا وأن من طبيعة الرجل أن يفضل بعضهن على بعض، إما لجمالهن أو لأخلاقهن، أو لغير ذلك، فإذا فضل بعضهن دبت الغيرة في الباقيات، وكثرت الشحناء والدسائس والمؤامرات.
وعلى الجملة انحل البيت، وقع بين الإخوة من أمهات مختلفة في العادة أشد أنواع العداء، وفي التاريخ حوادث كثيرة من هذا القبيل كالذي حدث بين الأمين والمأمون؛ فالأمين أمه حرة عربية، والمأمون أمه جارية فارسية، ويعلل ابن خلدون انحلال البيت بكثرة الترف، ولكن لم يكن الترف حظ كل المسلمين، ولا أغلبهم ... إنما هو حظ الخلفاء والأمراء وكبار التجار وأضرابهم، أما سائر الشعب ففقراء. •••
يضاف إلى ذلك أن الرجال - وقد قعدوا عن الجهاد - اتسع وقتهم فتفرغوا للشهوات، والإفراط في الشهوات يضعف الهمة، ويقصر العمر ، ولذلك كان متوسط أعمار الخلفاء قصيرا بالنسبة لمن عداهم، وكذلك إذا فضل الرجل إحدى زوجاته فضل أولادها أيضا، فكرهه الآخرون كما في قصة يوسف وإخوته.
وإذا شعر الابن بأنه ابن جارية تباع في الأسواق، كان عنده مركب النقص بالنسبة لولد الحرة، كالذي كان بين الأمين والمأمون، وكلما كان الخليفة أغنى وأترف كانت الجواري عنده أكثر عددا، وكان النزاع في البيت أشد، وفسد الأولاد من رؤيتهم أمام أعينهم عددا كثيرا من الشابات الجواري في القصر الذي يعيشون فيه.
وكان الغرام وتبادل النظرات إلى غير ذلك كالذي يحدثنا به ابن حزم في كتابه طوق الحمامة، ولولا لطف الله، وتغلب الإسلام عليه لانهارت أخلاقه كما انهارت أخلاق كثير من الناس، وكما حكي أن المأمون كان يغازل جارية بعينه، وهي تصب الماء على يد أبيه، فلاحظ ذلك الرشيد، واستنكر فعلته، وإذا كانت الأمة مؤلفة من أسر متعددة متنافرة فإنها تنحل بانحلال هذه الأسر. •••
وشيء آخر هام، وهو: أن البيت إذا فسدت أخلاقه بما فيه من تفضيل بعض على بعض، وحسد وغيرة، ومنافسة وعداء بين الأولاد، وعداء بين الأمهات ... أصبح هؤلاء الأمهات غير قادرات على تربية الأولاد تربية صحيحة، وخرجوا إلى الأمة ضعاف العقول، ضعاف الأخلاق، كثيري الدسائس والمؤامرات، ضعيفي الهمة، والقارئ لكتاب الأغاني عن بيت ابن رامين الذي يقول الشاعر فيه:
هل من شفاء لقلب لج محزون
صب يغيب إلى ريم بن رامين
إلى ربيعة إن الله فضلها
بحسنها وسماع ذي أفانين
ناپیژندل شوی مخ