جنګ او سوله
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
ژانرونه
سألتها هذه متقربة: قولي لي يا صغيرتي ناتاشا، ما هي قرابتك مع هذه الميمي؟ إنها - بلا ريب - ابنتك؟
كانت تعتقد أنها بذلك السؤال تتقرب من الفتاة، لكن دعابتها السمجة لم ترق لناتاشا التي ألقت عليها نظرة قاتمة دون أن تجيب.
وفي تلك الأثناء، احتلت الشبيبة: بوريس (وهو الضابط ابن الأمير دروبتسكوي)، ونيكولا (وهو الطالب ذو الياقة الخمرية وابن الكونت البكر)، وسونيا ابنة أخت الكونت، وبيتروشا الصغير (وهو أصغر أبنائه)؛ مكانها في البهو. كانت وجوههم تطفح بالابتسام والإشراق، رغم أنهم بذلوا جهودا جبارة لكبت ضحكاتهم؛ احتراما للرسميات التي يقتضيها الموقف. كان يبدو على وجوههم بوضوح أنهم كانوا في تلك الحجرات البعيدة غارقين في مشاريع أكثر تسلية وقبولا ألف مرة مما عليه الحال في البهو الكبير، من ثرثرات ولغط، وحديث عن الطقس وعن الكونتيس آبراكسين وآخر الفضائح. كانوا يتبادلون نظرات متآمرة وهم يكتمون ضحكاتهم.
كان الشابان، الضابط والطالب، صديقين منذ الطفولة، وكان كلاهما يتمتع بجمال بديع، لكنهما كانا يختلفان عن بعضهما اختلافا مرموقا؛ كان بوريس طويل القامة، أشقر، ذا تقاطيع دقيقة متناسقة ومنبسطة. أما نيكولا، فكان على العكس، قصير القامة، أجعد الشعر، ذا سحنة مشرقة مطبوعة بحمية شديدة فوارة، كانت شفته العليا مظللة بشارب خفيف أسود، تضرج وجهه عندما دخل إلى البهو، وراح يحاول عبثا تبرير سلوكه. أما بوريس، فكان على العكس، لقد استعاد هدوءه بسرعة، وعاد إليه بشره، فراح يروي القصة بصوت ملؤه المجون والسكون. قال إنه عرف تلك «الميمي» صبية جميلة سليمة الأنف، لكنه - ولدهشة - وجدها بعد خمس سنوات قد شاخت بسرعة، حتى إنها حطمت جمجمة نفسها. وبعدئذ ألقى على ناتاشا نظرة لم تستطع هذه احتمالها، فاختلست نظرة إلى وجه أخيها الذي كانت ضحكته مكتومة تهز جسده بعنف، وهو مغمض العينين، وفجأة قفزت هاربة من القاعة، وقد فقدت السيطرة على نفسها نهائيا، غير أن بوريس لم يتحرك. قال يخاطب أمه: كنت تريدين الخروج للنزهة يا أماه، فهل أجهز لك العربة؟
وابتسم لأمه ابتسامة محببة ردتها له من فورها بأجمل منها، وقالت: هو ذاك، اذهب واقطر الخيول إليها.
ومضى بوريس بخطوات هادئة يبحث عن ناتاشا. أما الشاب القصير، فإنه جرى على أعقابهما وعلى وجهه آيات التبرم، شأن من أغضبه بعضهم بإزعاجه في غمرة أعماله الهامة، بتفاهات!
الفصل الثاني عشر
ثرثرة وحديث
باستثناء الآنسة كاراجين، وابنة الكونتيس البكر، التي كانت تزيد على أختها بأربع سنين، وتقلد حركات الكبار المسنين؛ لم يبق في البهو ممثلا عن الشبيبة إلا نيكولا وابنة عمه سونيا، تلك السمراء النحيلة، رقيقة العود، التي كانت تحيط رأسها بضفيرة ثقيلة من شعرها دارت حوله دورتين، وجاءت تنعقد أخيرا عند منبت الشعر. كان جلدها زيتوني اللون، فاتحا عند وجهها، على عكس ظهوره الصارخ عند عنقها وذراعيها العاريين، اللذين أهزلتهما «العصبية»، لكنها لم تكن خالية من الجاذبية والبهاء. كانت خفيفة الظل، لدنة الأعضاء مرنتها، تعطيها بعض الحركات التي لا تخلو من مكر مظهر القطة الصغيرة الجميلة التي لا زالت خشنة بعض الخشونة، ولكنها بالمقابل تبشر بمستقبل ينبئ بأنها ستصبح هرة بديعة فتانة. تظاهرت بأنها تشعر باهتمام للحديث العام الدائر بالبهو، لكنها لم تستطع التمويه على أحد، بأن تجعل ابتسامتها - التي كانت منطبقة على شفتيها - تشعر بذلك الاهتمام، خصوصا وأن تبادل النظرات بينها وبين ابن عمها - تلك النظرات التي كانت ترمقه بها خلال أهدابها الطويلة - أظهر بوضوح أن القطة الصغيرة لم تمكث هناك إلا لتمرح مع ابن عمها الذي يتعشق حياة الجيش، حالما يحذوان حذو بوريس وناتاشا، فيخرجان بدورهما من البهو ليختليا ببعضهما، مضللين الكبار الذين يتحدثون في البهو.
كان الكونت العجوز يحدث السيدة كاراجين مشيرا إلى ابنه: نعم يا عزيزتي، ها هو ذا صديق بوريس، لقد رقي صديقه إلى رتبة ضابط، فلم يرغب «نيكولاي» في البقاء متخلفا؛ لذلك فقد أهمل دراسته وأباه الهرم، والتحق بالخدمة يا عزيزتي. كان ينتظره مركز ممتاز في الإدارة، يبشر بمستقبل بسام، يا لها من صداقة جميلة! أليس كذلك؟
ناپیژندل شوی مخ