د اصلاحي حرکتونو او په نوي اسلامي ختيځ کې د ثقافت مرکزونو په اړه محاضرې
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
ژانرونه
وكانت معظم دروس الزبيدي في هذه الفترة في علوم الحديث، وكان منهجه في التدريس جديدا كذلك، لفت إليه الأنظار، وجذب إليه الأعيان أولا، ثم شيوخ الأزهر ثانيا؛ لأنه أحيا طريقة السلف الصالح في تدريس الحديث، فكان لا يكتفي بإملاء الأحاديث، بل يذكر الأسانيد والرواة والمخرجين، وكان لا يلقي بهذه المعلومات من كتاب في يده، بل يلقيها ارتجالا من حفظه، وعلى طرق مختلفة وبأساليب متباينة، وكان يبدأ كل من يفد عليه للأخذ عنه بأن يملي عليه الحديث المسلسل بالأولين - وهو حديث الرحمة - بروايته ومخرجيه، ثم يكتب له سندا بذلك وإجازة وسماع الحاضرين.
كان هذا أسلوب المحدثين القدامى، وقد نسيه العلماء في العصر العثماني، فنفض عنه الزبيدي الغبار، وأحياه من جديد، فبهر عقول أهل العلم في القاهرة، وسعى إليه شيوخ الأزهر - وهم قادة العلم في وقتهم - يسألونه الإجازة، ولكن الزبيدي كان يرى أن الدراسة الجدية يجب أن ترتفع عن المظاهر والشكليات، فقال لهم: «لا بد من قراءة أوائل الكتب»، فقبلوا واتفق على أن يبدأ معهم درسا يقرأ لهم فيه صحيح البخاري، واختار أن يلقي درسه هذا يومي: الإثنين والخميس من كل أسبوع في جامع شيخون؛ «تباعدا عن الناس.»
يقول الجبرتي: «وتناقل في الناس سعي علماء الأزهر - مثل الشيخ أحمد السجاعي، والشيخ مصطفى الطائي، والشيخ سليمان الأكراشي، وغيرهم - للأخذ عنه؛ فازداد شأنه وعظم قدره، واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والأكابر والأعيان.»
لم يعد الدرس إذن خاصا بعلماء الأزهر، بل أصبح درسا عاما، وأقبل الناس على سماعه من كل حدب وصوب، ومن كل الطبقات، والتمس الحضور من الشيخ أن لا يكتفي برواية الأحاديث وأسانيدها، بل يشرحها لهم، فأجابهم إلى طلبهم، وانتقل - كما يقول الجبرتي - «من الرواية إلى الدراية» وصار درسا عظيما ، فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية، وقد استغنى عنهم هو أيضا، وصار يملي على الجماعة - بعد قراءة شيء من الصحيح - حديثا من المسلسلات أو فضائل الأعمال، ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه، ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك، فيتعجبون من ذلك؛ لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين.»
أصبح الزبيدي بعد هذه الدروس حديث القوم في حي الصليبة والقلعة، بل في الأوساط العلمية كلها في القاهرة، فطلب منه أهل حي الحنفي أن يخصهم بدرس آخر، فأجاب سؤلهم وافتتح درسا جديدا في مسجد الحنفي، كان يقرأ فيه الشمائل بعد العصر في بقية أيام الأسبوع، فارتفعت مكانته، وذاعت شهرته، وأقبل الناس من كل فج لسماع هذه الدروس الجديدة.
وتسابق الصفوة والأعيان على دعوته إلى منازلهم؛ ليأخذوا عنه الحديث هم وأولادهم وأفراد أسراتهم، وكانوا يحتفلون بزيارته احتفالا كبيرا، ويولمون الولائم، وكان هو يضفي على هذه الدروس ما تستحقه من وقار وقداسة، ويتبع أسلوب المحدثين القدامى في ذلك، فيصحب معه خواص الطلبة والمقرئ والمستملي وكاتب الأسماء، ويجلس صاحب المنزل ومعه أصحابه وأحبابه وأولاده، ومن خلف الستائر تجلس بناته ونساؤه، وقد تناثرت في المكان مجامر البخور والعود، والرائحة الزكية تضوع فتملأ المجلس مدة القراءة، ثم يبدأ الشيخ فيقرأ للمجتمعين شيئا من الأجزاء الحديثية؛ كثلاثيات البخاري أو الدارمي، أو بعض المسلسلات، ثم يختمون جميعا الدرس بالصلاة على النبي -
صلى الله عليه وسلم ، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين بما فيهم النساء والصبيان والبنات، ويثبت اليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ في ختام هذا السجل أو الإجازة: «صحيح ذلك»، ويوقع باسمه.
وقد ذكر الجبرتي - وكان تلميذا للزبيدي - أنه حضر كثيرا من هذه الدروس، وذكر كذلك أن الشيخ زاد نشاطه، فكان يعقد دروسا أخرى في منزله القديم بخان الصاغة - قريبا من الأزهر، وفي منزلي الجبرتي في الصنادقية وبولاق، وأنه كان يخرج في بعض الأحيان مع نفر من تلاميذه المقربين إلى المتنزهات والأماكن الخلوية، مثل غيط المعدية أو الأزبكية، حيث يعقد لهم دروسا في الهواء الطلق يقرأ عليهم فيها بعض الأجزاء الحديثية. (1-8) السيد محمد عالم من أعلام الفكر في مصر والعالم الإسلامي
وأقبلت الدنيا على الشيخ؛ فقد تجاوزت شهرته الأوساط العلمية إلى أوساط الأمراء والحكام، فانجذب إليه بعض الأمراء الكبار؛ مثل مصطفى بك الإسكندراني، وأيوب بك الدفتردار، وسعوا إليه في منزله؛ لحضور دروسه، وقدموا إليه الهدايا الجزيلة، وعندما حضر الرئيس عبد الرزاق أفندي من الديار الرومية إلى مصر، وسمع بالزبيدي ذهب لزيارته والتمس منه الإجازة، وطلب أن يقرأ عليه مقامات الحريري، فأجابه إلى طلبه، وكان يحضر عنده بعد درس شيخون، فيقرأ معه المقامات ويشرح له معانيها وألفاظها.
ولما حضر إلى مصر محمد باشا عزت الكبير في سنة 1191ه أكرمه ودعاه إلى القلعة، وخلع عليه فروة سمور، ورتب له تعيينا من كلاره؛ من لحم وسمن وأرز وحطب وخبز، كما رتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين، وغلالا من الأنبار، ثم أرسل إلى الأستانة تقريرا يعرف فيه الدولة ورجالها بالشيخ ومكانته، فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة، وقدره مائة وخمسون نصفا فضة في كل يوم.
ناپیژندل شوی مخ