وهو يشمل المعنى السابق - للإيمان المجمل - مضافًا إليه الالتزام بما بلغه من شرائع والانقياد لها أمرًا أمرًا وخبرًا خبرًا، فينضاف إلى معنى التصديق والإقرار جملة والالتزام بالطاعة، الإقرار بكل خبر أو أمر على حدة، ثم التزام ما ينبني عليه فعل من هذه الأوامر والشرائع التزام قبول وطاعة بالأخبار والأوامر كلها، والتزام تنفيذ لما هو مشترط لصحة الإسلام بالذات - كما سيأتي بعد في معنى الالتزام في الفصل الثالث (١) - وتكون سائر الواجبات هي التي يجري فيها قولهم بالزيادة والنقص في الإيمان، فكلما أتى المرء من واجبات إزداد إيمانه الواجب، وكلما أتى من معاصي نقص إيمانه الواجب، فالإيمان الواجب إذًا هو الذي يظهر فيه معنى العمل بالأوامر والنواهي (٢)، لأن الإيمان المجمل – كما ذكرنا – لا يظهر ولا يكون واجبًا إلا في حق من لم تبلغه شرائع أو من مات قبل نزولها، مع افتراض ترك الشرك الأكبر جملة في كل الأحوال (٣)
_________
(١) والالتزام على الجملة ينقسم إلى: التزام القبول والطاعة: أي عقد القلب بنية العمل عند القدرة والعلم، والتزام تنفيذ. وهو أداء هذه الشرائع بالفعل أمرًا أمرًا، وفي هذا القدر الأخير تجرى الزيادة والنقص.
(٢) وعلى ما ذهب إليه فقهاء الكوفة - الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان - فأنهم يتفقون مع أهل السنة في معنى الإيمان المجمل - إذ لا يتصور خلاف أحد من المسلمين عليه فهو أصل الدين وهو توحيد الله ﷿ وإنما افتراقهم في إثبات مسمى الإيمان الواجب المتضمن للأعمال، فهم لا يثبتونه نظرًا لاخراجهم الأعمال من مسمى الإيمان مطلقًا، وإن رتبوا الثواب والعقاب على الأعمال كأهل السنة سواء بسواء كما سبق أن أوضحنا.
(٣) يقول الحافظ في الفتح: "فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود لصنم" الفتح جـ١ص٤٦. والشاهد هنا هو قوله: "إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره" فهو دال على شرط عدم وجود المناقض من أفعال الشرك الأكبر، أما عن الأفعال المشترطة لصحة الإسلام فسيأتي بيان الحديث عنها بعد.
1 / 23