الفصل الأول
مجمل أقوال الخوارج
وعلى الطرف النقيض للمرجئة – الذين أشاعوا الفسق بآرائهم، فانتشرت المعاصي واستبيحت حرمات الله – كانت أقوال الخوارج وشبهاتهم – قديمًا وحديثًا – مثالًا للتنطع في الدين في غير موضعه، نظرًا لظروف النشأة السياسية لهم، فخرجوا عن عقائد أهل السُّنَّة والجماعة، وغلوا في دينهم، ونظروا إلى النصوص نظرة سطحية لا تنفذ إلى المعاني، يقرؤون القرآن ولا يجمعون بين نصوصه، كما هو حال أهل الأهواء والبدع جميعًا، فصدق عليهم قول رسول الله ﷺ: " سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة" متفق عليه.
وقوله ﷺ فيما رواه مسلم بسنده عن أبي سعيد قال: "بينا نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسمًا فأتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، قال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك، فمن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نفسه – وهو قدحه – فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم" (١) .
(١) عن "نيل الأوطار" للشوكاني جـ٧ ص ٣٤٤، والنصل والرصاف والنفي والقذذ هي أجزاء من السهم وأنواع منه، يريد بذلك رسول الله ﷺ أنهم يخرجون من الدين لا يتعلق منه بهم شيئًا.
1 / 118