حقیقت
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
ژانرونه
أفلا تكفي هذه الشواهد لأن تقنعنا بأن استقلال العضلة القابضة للإبهام في الإنسان نتيجة الارتقاء والاستعمال؟ ولنا دليل آخر على صحة هذا الرأي في الفروع البشرية السفلى كالسود؛ حيث هذه العضلة ليست مستقلة كما في الفروع المرتقية، وعليه فالهاوية التي أرادوا أن يقيموها بين الإنسان وسائر البريمات لا حقيقة لها.
ولا يخفى ما بين أيدي الحيوانات اللبونة من اختلاف الشكل في الظاهر، وأما في الباطن فهي متكونة على قياس واحد، ومتفقة في عدد العظام التي تكونها، وفي وضعها كذلك، كما يظهر لك من النظر إلى الأشكال التسعة والسابقة هي صور الهيكل العظمي لأيدي الحيوانات اللبونة التسعة. وليس العجب أنك ترى هذه المشابهة بين يد الإنسان «شكل 1» والكوريلا «شكل 2» والأوران «شكل 3»، لكن العجب أنك تراها كذلك بين يد الإنسان والكلب «شكل 4»، وزعنفة الفقم «شكل5» والدلفين الصدرية «شكل 6»، حتى جناح الخفاش «شكل 7»، ويد الخلد الشبيهة بالمعول «شكل 8»، والطرف المقدم لأول هذه الحيوانات وهو الأرنيثورنكوس «شكل 9» أيضا، فبم يعلل هذا الاتفاق في عدد العظام ووضعها وارتباطها العضلي مع هذا الاختلاف في شكلها الظاهر، إلا باشتراك أصلها وأثر الوراثة والمطابقة فيها؟
وأعجب من ذلك كله أن هذا الاتفاق محفوظ أيضا في سائر ذوات الفقر، التي هي أدنى من الحيوانات اللبونة، كما في أجنحة الطيور والأطراف المقدمة للحشرات وللنصف مائية، مما يدل على أن أصل الجميع واحد أيضا.
فهل مثل هذا القول «هلج يضحك الأذكياء، ويبكي العقلاء، بل البلداء»؟ لا لعمري، ولكن هي غايات معدودة في النفس، وأميال موروثة في العقل، إن لان الواحد لم يلن الآخر؛ فليضحك خصوم مذهب دارون أو فليبكوا ما استطاعوا، وليسخروا به ما شاءوا. إنه ليبلغ به البحث مبلغا ينقلب له وقته سكينة، فيصير المخطوف مألوفا، والوميض شهابا ساطعا، ويعلم أنه هو الحق الذي لا جمجمة فيه، وهل يسخر بالعلم وأفراد رجاله احتراما لأمور لم تؤيدها إلا الأكثرية المؤلفة - غالبا - من عامة الناس؟
وإن كانوا يضحكون الآن من دارون ومن حذا حذوه، فقد ضحكوا من قبله على كبلر وغليلي ونيوتون وغيرهم من أكابر العلماء، وإن كان لا يزال بعض العلماء الأعلام الذين يصعب عليهم في شيخوختهم تغيير ما نشئوا عليه وشابوا فيه غير موافقين لدارون في مذهبه، فقد خطأ نيوتون وغليلي وكبلر علماء كثيرون من معاصريهم ومناظريهم، وثبوتهم في مبادئهم من أقوى الأدلة على صحة مذهب دارون، بل تغييرهم لمبادئهم ربما انتقض به ركن عظيم من أركانه؛ إذ يضعف مفعول العادة والوراثة وتنازع البقاء، وكلها ذات شأن عظيم فيه.
الفصل الخامس
في الارتقاء
نقول والارتقاء في مذهب دارون أمر مقرر أخذا بشهادة البالينتولوجيين والطبيعيين المعول عليهم، وهو نتيجة لازمة للانتخاب الطبيعي، والخصم لم ينكره إلا بناء «على أن من الأحياء ما لم يظهر فيه شيء من علامات التدرج في سلم الارتقاء، فبقاياها منذ ألوف وربوات من السنين لا تختلف عنها اليوم.» وهو إنكار أصم لا يصح لاعتبار الجزء في مقام الكل، ونحن نزيده على قوله ذلك أن من الأحياء ما يتقهقر أيضا، لكن نقول له: إن إنكاره الارتقاء عموما لعدم ارتقاء البعض كإنكارنا الأسماء الممتنعة من الصرف لانصراف البعض في بعض الأحيان، فهل يمنع صرف البعض امتناع صرف الكل؟ كذلك وقوف بعض الأحياء أو تقهقرها لا يمنع الارتقاء عموما.
وإن قال لنا: إن صرف ما لا ينصرف جائز للضرورة، قلنا له: إن تقهقر ما يرتقي إنما يكون للضرورة أيضا، وإلا لما كان للفظة الانتخاب الطبيعي معنى في تنازع البقاء، فإن المناسبة في التنازع ليست واحدة في كل الأحوال؛ لأن التكوين الموافق في بعض الأحيان قد لا يوافق في البعض الآخر فيفقد، مثال ذلك: لو تعودت أحياء حياتها مستقلة أن تعيش على غيرها كالحلميات، لما عاد بها لزوم لحواسها الحادة، وأعصابها الشديدة، وحركاتها القوية فتفقدها، بل قد يكون الكمال نقصانا، فإن مثل هذه الأحياء تكون فيها أعضاؤها المذكورة في حياتها الحلمية سببا لضعفها؛ لاقتضائها غذاء لا حاجة بها إليه بدونها.
وفقد هذه الأعضاء يحسب فيها والحالة هذه امتيازا في تنازع البقاء مع الحلميات المختلفة؛ إذ يتوفر لها هذا الغذاء فتستخدمه لأعضائها الأخرى؛ لأن الاحتياجات في مثل هذه الحال كلما قلت زاد امتياز أصحابها فتقوى وترتقي، وغيرهما مما هو دونها يضعف ويتأخر، وما يقال على الجسم يقال أيضا على كل عضو من أعضائه، ولئلا يبادرنا بما ربما يحصل له عن ذلك من الارتباك، ويزيد في الطنبور نغمة، نقول له: إن الارتقاء نوعان: خاص وعام، ولا يجب الخلط بينهما، فالخاص قد يكون نقصا للزوم مناسبته لأحوال خصوصية، كما في مثال الحلميات المار ذكره.
ناپیژندل شوی مخ