والآن، قبل أن يفر «جاك غريزا» من معركة الزهر هذه، ويلجأ إلى محاضرته الحصينة ليؤذن لي أن أحيي في شخصه المناضل، شيوعيي الفرنسيس والعالم أجمع، طليعة جيش التقدم والمساواة والحرية. إن مستقبل الإنسان مدين لهؤلاء.
قلت: مستقبل الإنسان!
منذ عام، وإذا شئتم أن يصح الحساب تماما وجب أن نقول: منذ عام وأسبوع ...
من أين جاء ذلك الأسبوع؟ لقد غاظنا جدا ذلك الأسبوع، غاظنا من كل الوجوه، لكن بوسعنا، وبوسعنا نحن وحدنا، أن نفترض أن ذلك الأسبوع لم يكن، لسبب بسيط هو أنه لا محل له من الإعراب؛ فلولا ذلك الأسبوع، ما كنا اليوم في السابع من أيار، لولاه كنا حيث ينبغي أن نكون، أي في الأول من أيار، نحتفل في الموعد المضروب لعيد العمل والعمال.
لقد أردتم بملء إرادتكم، بمحض اختياركم، أن يؤخر الاحتفال؛ ضنا بهذا العيد المجيد أن تشوبه أية شائبة، أيا كان مصدرها، وأيا يكون مصيرها. إن كثيرا من الأعياد لا تنتظر، يجب أن يحتفل لها في وقتها، وإلا لم يبق لها موضع أو موضوع. أما عيد العمل والعمال، أول أيار، فهو يعرف أن ينتظر، إنه تعود الصبر الطويل، إنه كقضية العمل والعمال نفسها، يعرف أن ينتظر، ويعرف أن ينتصر.
إذن لقد انقضى عام، منذ اجتمعنا في هذا المكان لهذه المناسبة، عام ضخم سمين حافل بأحداث لها ما بعدها، نكاد من أجلها نغتفر له الذيل الذي ألحق به إلحاقا، أو ألصق إلصاقا، ونكاد نضرب صفحا عن التأخير في موعد عيدنا.
في ذلك العام السعيد، طرد الجيش الأحمر من الأراضي السوفييتية، الوحش النازي، وهو الآن رافع يده الجبارة لينزل به الضربة القاضية. وهكذا أعطى الاتحاد السوفييتي البرهان على أن قضية الحق والحرية في العالم بأسره، تمشي بخطى سريعة، بخطى محتمة، إلى النصر المبين، إلى النصر المحتوم. لقد أعطى الاتحاد السوفيياتي على ذلك آخر برهان، لآخر المشككين.
وفي هذا العام السعيد أيضا تمكن الشعب اللبناني من ممارسة شطر كبير من خصائص استقلاله وسيادته القومية، التي ظل محروما منها خلال قرون متطاولة. وهو يسير قدما نحو استكمال سيادته واستقلاله، محمولا على جناحي تلك الروح الجديدة التي تتجلي رغم كل شيء، رغم كل الأشياء التي لا يعتد بها، في إرادة اللبنانيين الواعين المخلصين، على اختلاف طوائفهم وأجناسهم، أن يعيشوا معا أبناء شعب واحد حر، في وطن واحد سعيد. ونحن على يقين من أن هذه الروح ستبقى متجلية في جهود اللبنانيين المتوافرة، لحفظ كيانهم الوطني وتعزيز كرامتهم القومية، كما أننا على يقين من أن هذه الروح الخيرة تتجلى بأروع مظاهرها وأنبلها وأبقاها، في العمال ومنظماتهم الرشيدة.
لقد أنقذ العمال الحرية في العالم، فليس بدعا أن ينتظر منهم أن يحفظوا الحرية في لبنان. ليس أول أيار عيد العمال وحسب، فهو أيضا عرس الحرية، وإنما هو عرس الحرية لأنه عيد العمال.
الفصل الثاني
ناپیژندل شوی مخ