فصل في الكلام في الجسم والعرض
اعلم أن الجسم سمي جسما لطوله وعرضه وعمقه. والعرب تسمي ما زاد في الطول والعرض والعمق جسما، يقول القائل منهم: فرسي جسيم، وجملي أجسم من جمل فلان، يريد أنه بالغ فيما له سمي جسما، وهو الطول والعرض والعمق؛ قال الله تعالى: {قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}[البقرة:247]، وقال الشاعر وهو عامر بن الطفيل:
وقد علم الحي من عامر .... بأن لنا ذروة الأجسم
وللجسم دلائل منها أن يكون طويلا عريضا عميقا؛ ومنها أن يكون قائما بنفسه، ومنها أنه يكون محدودا بالجهات الست التي هي فوق وتحت، وقدام وخلف، ويمين وشمال. فما كان من المصنوعات بهذه الصفات فهو جسم، وما لم يكن بهذه الصفات فهو عرض، إذ لا يوجد شيء من المصنوعات ولا يعلم إلا جسما أو عرضا. وقد أثبت بعض المعتزلة جوهرا لا جسما ولا عرضا، وقالوا: هو الأجزاء المتماثلة الشاغلة للمكان. ومعنى المتماثلة عندهم: أن يسد الجزء مسد الجزء الآخر، وهذا شيء لا يعقل ولا يعلم.
واعلم أن الغرض المقصود في ذكر الأجسام والأعراض هاهنا أن يفرق بين الجسم والعرض، وبين أفعال الله وأفعال خلقه.
فأما الأجسام فقد تكلمنا فيها بما فيه كفاية، وهذا موضع الكلام في الأعراض فنقول:
مخ ۸۷