301

واعلم أن كل عامل مسؤول عن عمله -المطيع والعاصي- ومحاسب على فعله، قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه ، فسوف يحاسب حسابا يسيرا}[الإنشقاق:7،8] فدل على أنه لا بد من الحساب والمسألة، قال الله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم }[التكاثر:8]، وقال تعالى: {وقفوهم إنهم مسئولون }[الصافات:24]، وهذا السؤال، سؤال تقرير وتوبيخ، وقول الله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }[الرحمن:39] يريد: أنه لا يسأل سؤال جهل واستفهام، بل سؤال تقرير وتوبيخ، ويؤيد ذلك قول الله: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها }[النحل:111]، وقوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة ، إلا أصحاب اليمين ، في جنات يتساءلون ، عن المجرمين ، ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين...}الآيات[المدثر:38-43]، وأصحاب اليمين الذين استثناهم الله الأطفال؛ ويدل على ذلك سؤالهم للمجرمين عما أدخلهم النار؛ لأنهم لم يكن معهم خبر عما أدخلهم النار، وقد قال الله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة ، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، والسابقون السابقون ، أولئك المقربون} [الواقعة:711]، فكانت الناس على ثلاثة أفنان: فسابق وهو الذي يدخل الجنة بعمله، قال الله تعالى في آخر الآية: {جزاء بما كانوا يعملون }[الواقعة:24]، وفن وهم أهل النار، وفن وهم الأطفال؛ وهم يدخلون الجنة بغير عمل منهم بل تفضلا من الله، تفضل عليهم بالجنة، وعوضا منه على ما أصابهم من الضر والأمراض والموت.

وكذلك البهائم فإن الله يثيبها ويعوضها بتمليكه الناس إياها وتسخيرها لهم، فيعوضها في الجنة؛ وكذلك الوحوش، وجميع ما خلق الله من الحيوان، فإنه قد نالها الضر في هذه الدنيا من الجوع والعطش، والخوف والموت، وغير ذلك.

والدليل على ما قلنا من طريق العقل: أنه قد ثبت أن الله تعالى عدل [حكيم]، وأنه رحيم رؤوف كريم، وأن عفوه يرجى عمن أذنب، فكيف من لم يذنب؟ وهي تألم، وتجوع، وتضمأ، وتهزل، وقد رأينا الناس يكدون البهائم كدا عنيفا، ويستخدمونها حتى تبلغ الغاية من الهزال والموت. ومنها ما يذبحه الناس ويطبخونه بالنار ويأكلونه، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((في كل كبد حرى أجر )).

مخ ۳۷۶