266

وأما البلية التي تخصه في نفسه، فهدم ما كان منه مبنيا، ومصيره إلى الضعف بعد ما كان قويا، وكونه مواتا جمادا بعد ما كان حيوانا سويا مع تجرعه للمرارات، وكونه من الموت في الغمرات والألم الشديد، والكرب المفني له المبيد، وحسرة الولي وغمه، وشماتة العدو العنيد، ومفارقته لما يحب من الناس والأموال والعافية والسلامة والجمال، وكفى بالموت واعظا وزاجرا عن المحرمات، ومرغبا في أفعال الطاعات، فلو لم يشاهد الإنسان العاقل ميتا ولم يره ثم أخبر عنه مخبر صادق لوجب أن يخاف الموت ويزهد في الدنيا الفانية، ويرغب في الآخرة الباقية؛ فكيف وهو يشاهد أباه وولده وأخاه وصاحبته وأمته وأولياءه تنزع أرواحهم في حجره ثم يحمل الواحد منهم فيدفنه في قبره، ثم ينسى ذلك ويلهو بفسقه وكفره، قال الله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه ، من نطفة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء أنشره ، كلا لما يقض ما أمره}[عبس:17-23].

واعلم أن الصبر على الموت هو الرضا به، وترك السخط منه؛ ولأنه لا بد لكل نفس من الموت لمن صبر ولمن لم يصبر؛ قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت }[آل عمران:185]، وقال تعالى: {كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}[الرحمن:26،27].

مخ ۳۳۹