230

ومما يدل على صحة ما قلنا: أنك لو عظمت أجنبيا لا نعمة له عليك؛ أنه يستكثر منك النعمة ويستعظمها، ويكون ذلك منك إليه عظيما، وأنك إذا عظمت والديك، أو عظم العبد سيده أن ذلك يصغر عند الوالدين ويقل من حقهما، وذلك لكثرة نعمتهما عليك، وإحسانهما إليك، وكذلك السيد يستصغر تعظيم عبده له، فإذا كان هذا معقولا في الآدميين وجب على العبد أن يستصغر شكره لرب العالمين المنعم المتفضل ويستعظم ذنبه ، ويخاف ربه، قال الله تعالى: {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ، إن عذاب ربهم غير مأمون}[المعارج:27،28].

ومما يكبر المعصية ويعظمها أن العاصي لا يعصي إلا وهو في نعم الله، ألا ترى أنه لو مد زيد يده إلى عمرو ليعطيه عطية جزيلة يحتاج إليها ولا يستغني عنها، فمد عمرو يده ليلطم زيدا ألا ترى أن ذنبه كان عظيما، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقول الله تعالى: يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم، وتتمقت إلي بالمعاصي، وخيري إليك ينزل، وشرك إلي صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته)). وروي عن بعض الصالحين أنه سئل عن الشكر فقال: ألا تستعين بنعمة من نعم الله على معصية من معاصي الله.

مخ ۳۰۲