حقایق اسلام
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
ژانرونه
ولا نهاية يومئذ لمظاهر التبديل والتغيير التي تتكشف بها الثورة في تلك المملكة الصغيرة الكبيرة؛ لأنها تلحق بكل ما تزاوله النفس من شئونها الباطنة والظاهرة؛ تلحق بالأفكار والهواجس الخفية، وتلحق بالعادات أو الأخلاق، وتلحق بالعرف والقانون، وتلحق بالنظم الاجتماعية والدساتير الحكومية، وتلحق بالحاكمين والمحكومين، وتلحق بكل مملكة؛ لأنها لحقت قبل ذلك بتلك المملكة الصغيرة الكبيرة: مملكة الضمير!
وأوسع ما تكون ثورة الضمير إذا جاءت من قبل الثورة في تقدير الحقوق.
إن الثائر لضيق نزل به يهدأ إذا انفرج ذلك الضيق، وإنه ليثور كما تثور الريح المحجوزة والحيوان الحبيس، ما هو إلا أن يرتفع الحاجز وينفتح الباب حتى تهدأ الثورة ويسكن الثائر والمثير، ولكنه إذا وثب وثبته في سبيل حق يؤمن به لا يرجع عنه أو يظفر به كما يطلبه، وإذا ظفر به لنفسه لم يكفف عن الطلب وهو يراه مضيعا عند غيره، ويكاد يلمس في كل شيء نذيرا له بضياع الحق، وحافزا له على حمايته أن يضيع؛ فإنما الثورة الباطنة هي محضأ الثورة الظاهرة، وطالب الحق هو المطلوب الذي لا ينام عن طلبه، وهو الرقيب على سريرته قبل كل رقيب.
ولم تعلن في ثورات العالم الدينية حقوق عامة للإنسان قبل ثورة الإسلام في القرن السادس للميلاد ؛ لأن الإنسان نفسه لم يكن عاما فيوليه الدين حقوقا عامة، وإنما ولد هذا الإنسان - العام - يوم آمن الناس بإله يتساوى لديه كل إنسان وكل إنسان، ويوم نيطت حقوقه بواجباته بغير تفرقة بين قبيل وقبيل.
فمن تحصيل الحاصل أن يقال إن حقوق الإنسان لم تكن منظورة من ثورة دينية قبل ثورة الدين الذي دعا الناس إلى عبادة رب العالمين، فإنما توجد الحقوق العامة إذا وجد صاحبها الذي يستحقها ويؤدي لها فرائضها، ولم يوجد لهذه الحقوق صاحب مضطلع بها في ثورة دينية قبل ثورة الإسلام؛ إذ لم يكن هناك الإنسان الذي يتساوى في كل قبيل وكل مكان.
على أننا نرجع إلى تاريخ الثورات الاجتماعية أو السياسة قبل الإسلام، فلا نراها تخالف الثورات الدينية المعاصرة لها في كبير طائل، ولا نرى بينها حركة يصدق عليها أنها حركة «حقوق إنسانية» بمعنى من معاني هذه العبارات كما نفهمها في العصر الحاضر؛ فربما كان بينها ما يسمونه بحركات الديمقراطية في بلاد اليونان، وربما بدا لهم من كلمة الديمقراطية أنها من حركات الشعب، فهي على هذا خليقة أن تحسب من حركات الحقوق الإنسانية، وليست هي كذلك حتى في دلالتها اللفظية التي نشأ منها الغلط في فهم حقيقتها؛ لأن كلمة «ديموس» اليونانية كانت تطلق على المحلة التي تسكنها القبيلة، ثم أطلق النظام الديمقراطي عندهم على الحكومة التي تشترك القبائل في انتخابها، ولم يكن اشتراكها في الانتخاب اعترافا بحق إنساني يتساوى فيه آحاد الناس، وإنما كان اعترافا بالقبيلة واتقاء لمعارضها وإضرابها عن العمل في الجيش وتلبية نفير الدفاع.
ومثل هذا الحق في رومة «التربيون» الذي تنتخبه القبيلة ويشتق من اسمها
Tribe ، ولا شأن لانتخابه بما نسميه اليوم حقوق الإنسان.
وقد توالت على اليونان والرومان أنواع من الحكومات الديمقراطية لم يكن لها من مبدأ تقوم عليه غير أنها خطط عملية لأمن الفتنة، واستجلاب الولاء من المجندين للجيش والأسطول من أبناء القبائل وأصحاب الصناعات، وآية ذلك أن الحكومة الديمقراطية نشأت بين الأسبرطيين أصحاب النظم والإجراءات الإدارية، ولم تنشأ بين الأثينيين أصحاب الفلسفات والبحوث النظرية، وليس هذا بالمستغرب من اليونان الأقدمين إذا نظرنا إلى حقوق الانتخاب في الديمقراطيات الغربية إلى أواسط القرن العشرين ... فإن هذا الحق كان يتدرج في التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين في مصانع الحرب وفي جيوش المقاتلين، فناله العمال في البلاد الصناعية قبل أن يناله الزارع، ونالته المرأة بعد أن أصبحت عاملة في المصانع تنوب فيها عن الجند المقاتلين، وناله السود في الولايات المتحدة بعد اضطرار الدولة إلى خدمتهم في المصانع وفي الجيوش على التدريج بين الحربين العالميتين.
غير هذا ولا ريب هو المقصود بالديمقراطية الإنسانية، فإنها حقوق معترف بها للإنسان، وليست خططا عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، وليست الديمقراطية الإنسانية مما يتصور بغير عناصره الثلاث التي لا انفصال بينها، وهي: المساواة والمسئولية الفردية وقيام الحكم على الشورى وعلى دستور معلوم من الحدود والتبعات، وهذه هي العناصر الثلاثة التي نادى بها الإسلام لأول مرة في تاريخ الإنسان:
ناپیژندل شوی مخ