حقایق اسلام
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
ژانرونه
على أن الإسلام نفسه قد ظهر في إبان حالة نفسية تشبه الحالة التي أصابت الغرب بين القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، وتشبه الحالة التي أصابت المسلمين على أيدي المستغلين والمستعمرين. وقد كان ما حرمه الإسلام من الربا وذرائعه بلاء كهذا البلاء الذي شقيت به شعوب الغرب وشقيت به الشعوب الشرقية والإسلامية؛ فقد كان الربا الذي وجده في الجاهلية فنهى عنه وحرمه حقيقا بالتحريم في كل شرع وكل مكان، ومن اطلع على وصفه كما كان يوم حكم الإسلام بتحريمه لم يستطع أن يقول فيه قولين، ولا أن يجعل للشرائع موقفا منه غير موقف التحريم الشديد بغير هوادة تبيح للمحتال أن يتسلل إليه بذرائعه ودواعيه.
فسر الإمام الطبري قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (آل عمران: 130).
فقال في أسباب نزول الآية: «إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن: يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له: تقضيني أو تزيدني. فإن كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك، إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية ثم حقة ثم جذعة ثم رباعيا ثم هكذا إلى فوق. وفي العين يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه ...» •••
كان هذا هو الربا الذي تعاطاه الجاهليون وتعاطاه معهم أهل الكتاب من بلاد يثرب، وكانت الآيات المتقدمة أولى الآيات التي نزلت بالنهي عنه وتحريمه، فمنعه الإسلام كما يمنعه اليوم كل قانون معمول به في بلاد المصارف والشركات وكل ما استحدثه من ضروب المعاملات التي تسمى بالمعاملات العصرية، وما من قانون ينتظم عليه أمر الجماعة لا يحرم هذه المعاملة المنكرة ولا يشدد العقاب عليها.
وكان آخر ما نزل من القرآن الكريم آيات في تحريم الربا نزلت قبل وفاة النبي - عليه السلام - بأقل من ثلاثة أشهر، وهي من قوله تعالى في سورة البقرة:
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (البقرة: 275-281).
ولا خلاف بين المسلمين على موضوع الربا الذي وردت فيه جميع هذه الآيات؛ فهو ربا الجاهلية المعروف بربا النسيئة، وأحاديث النبي - عليه السلام - في ذلك وأقوال المفسرين لا موضع فيها لخلاف.
ففي الصحيحين أن النبي - عليه السلام - قال: «إنما الربا في النسيئة.»
وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا يشك فيه فقال: هو أن يكون له دين فيقول له أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل.
ناپیژندل شوی مخ