كتبت الطبيبة «س» في يومياتها تقول:
التقطت نظراتي المرهقة، نظراتها الفزعة القلقة في استنجادها المكتوم، وفي حيرتها الهائلة، وكأنها بعينيها الصغيرتين الزرقاوين، وهما تتفحصان وجهي، تبحثان في أعماقي عن شيء من الرحمة والإشفاق.
وأحسست أن إرهاق جسمي من كثرة العمل، بدأ يتبدد سريعا، وأن نشاطا جديدا اجتاح أعماقي، وكأنما أحست نفسي أنها على وشك أن تعطي شيئا من ذاتها، أو أن تمنح شيئا لصاحبة هاتين العينين المستغيثتين، فأخذت تشحن نفسها بطاقة جديدة استعدادا للبذل.
وجلست الفتاة المتهالكة أمامي، ونظراتها متشبثة بوجهي لا تتحول عنه، مما جعلني لا أتنبه للرجل الطويل العريض الواقف بجوارها، والذي فطن إلى أنني لم أره، فأراد أن يشعرني بوجوده، فقال بصوت له نبرة مثقفة لم تهذب من غلظته وخشونته: أرجوك يا دكتورة أن تكشفي على أختي، أريد أن أطمئن عليها؛ وذلك لأننا سنزوجها في الأسبوع القادم لابن عمها.
ولا أدري من أين جاءتها الشجاعة، فسمعتها تقاطعه قائلة: أنا لا أحبه! ولا أريد أن أتزوجه!
ونظرت إلي في استعطاف: لا أحبه يا دكتورة!
وأشار لها الأخ في شدة أن تصمت، وقال محتدا: إنها لا تريد أن تتزوج لسبب آخر يا دكتورة ... أظنك تفهمين. أرجوك الكشف عليها؛ لتطلعيني على الحقيقة.
وعادت العينان الصغيرتان الزرقاوان، تفزعان في قلق واستنجاد مكتوم، وأخذت أنظر في أعماقها؛ لعلي أهتدي إلى خيوط القصة، لكني لم أجد فيهما إلا فزعا وقلقا واسترحاما، وكنت على وشك أن أقذف في وجه الأخ برأيي ... أن أقول له: متأسفة يا سيدي، أنا لا أستطيع الكشف عليها من أجل هذا الغرض، إن الطب لم يعمل من أجل هذا، ثم إن هذه المسألة شيء يخصها وحدها، ولا داعي لك كأخ أو لي كطبيبة أن نتدخل.
وكأنما أحست الفتاة بما يراودني، فازدادت نظراتها تشبثا بي، وكأنها تقول لي: أرجوك، لا تتخلي عني، سيذهب بي إلى طبيب آخر.
ووقفت وقد عزمت على أمر، وقلت بلهجة الطبيب حينما يقرر أمرا، وليس هناك من قوة تستطيع أن تقف أمام الطبيب حينما يحزم في نفسه أمرا: تسمح تجلس في الخارج قليلا، حتى أنتهي من الكشف.
ناپیژندل شوی مخ