وقال محفوظ أفندي في غباء: «ليه يا بيه؟»
ووقف الدكتور خالد وقد نفد صبره وقال: «أوف! ربنا يطولك يا روح!»
تلفت حواليه في حيرة، وقال يخاطب نفسه: «وبعدين! الدوسيه ضاع! مش معقول! والبعثة! آخ ياني!»
ونظر إلى محفوظ أفندي يحاول أن يفتش في جزء منه عن قبس من الأمل في العثور على الدوسيه، لكنه وجده وقد انكفأ على الشيء الذي يكتبه دائما، ونظارته السميكة متدلية على أذنه، وكأنه نسي وجوده تماما.
وخطرت للدكتور خالد فكرة، وهو واقف هكذا، فانتعشت روحه بعض الشيء، وخلع سترته ووضعها على الكرسي الخشبي، وشمر عن ساعديه وبدأ يفرز بنفسه الدوسيهات واحدا واحدا، ومحفوظ أفندي غائب عن العالم في الشيء الذي يكتبه.
وانقضت ساعات والدكتور منهمك في البحث، حتى تصبب منه العرق، وشعر بألم في أصابع يديه، لكنه كان متحمسا يعمل بأمل جديد، أنقذه من الشعور الكئيب باليأس. وانتهى من الدوسيهات التي فوق المكتب، فانتقل إلى الدوسيهات المتراصة في الدولاب، وأعمل فيها البحث والتفتيش.
ولم يجد شيئا، وعاد متعبا يائسا، ولبس سترته وجلس على الكرسي، بعد أن أسنده إلى الحائط، ونظر في أسى إلى محفوظ أفندي، وقال: «حاجة تطير العقل، الدوسيه بتاعي مش هنا!»
وتهلل وجه محفوظ أفندي، وقال: «عشان تعرف إني ما كدبش أبدا، وأنا عارف شغلي كويس خالص، وحافظ الأرشيف ده ورقة ورقة، ده أنا بقى لي خمسة وثلاثين سنة في الشغلة دي يا دكتور.» وأطرق الدكتور خالد في حيرة وأسى، ونظر محفوظ أفندي إلى النافذة ثم صاح: «ياه! ده الشمس راحت من فوق الحيطة اللي جنبنا.»
ونظر الدكتور في ساعته، ثم قال: «اتنين ونص!»
وشد محفوظ أفندي نفسه من فوق الكرسي بصعوبة، وقال وهو يتأوه: «آه يا كعبي الشمال! شوف يا دكتور أنا اديت الحكومة نص ساعة زيادة من وقتي، لكن معلهش أنا مش بادقق، ربنا قال اعمل الخير وارميه البحر. آه يا كعبي الشمال! الروماتزم يا دكتور تاعبني خالص، أعمل له إيه بس؟»
ناپیژندل شوی مخ