وبلغ القاهرة ظهرا، وكان مضطربا متعبا، فاستراح في مقهي حتي العصر، ثم ركب إلى روض الفرج فإلى كازينو البوسفور، وقصد إلى الركن المعهود، ولكنه لمح عن بعد الأسطي شلبي جالسا إلى المائدة في اطمئنان ودعة ينتظر الحبيبة، فغلى الدم في عروقه، وود لو يخسف به الأرض، وحار لحظة قصيرة ثم لم يتردد، فقصد رأسا إلى حجرات الممثلات، وبحث عن حجرة نور الحياة، ولم يصبر حتي يؤذن له فاقتحم بابها.
وكانت مفاجأة غير متوقعة، فقامت نور الحياة واقفة تاركة أدوات المكياج والتواليت تسقط من يديها، ويبدو على أسارير وجهها فرح قهري، وكادت تفتح له ذراعيها وتضمه إلى صدرها الخفاق وتعاطيه قبل الحنان والأمومة، ولكنها تنبهت إلى نفسها فتصلبت في وقفتها، وجمدت أسارير وجهها، وبدت عليها الحيرة والذهول، ولم يكن لديها متسع للتفكير والتقدير، ولكنها أحست بأن الطريق التي تدفعها عواطفها إليه ليس الطريق الذي ينبغي لها سلوكه.
ولم ترد عيناه أن ترى في وجهها سوى الفرح الذي كساه لأول وهلة، فأقبل عليها مفتوح الذراعين، ولكنها أغضت عنه وسألته بلهجة غريبة: عبد المعز .. ما الذي أتى بك إلى هنا ؟
فقال بلهجة المستغيث وهو يشفق من تغيرها إشفاقا: أنت تعلمين بما أتى بي، فكيف تتجاهلينه؟!
ونفذت لهجته التوسلية إلى سويداء قلبها فخفق بشدة، وكاد يطير من بين يديها، ولكنها ضغطت عليه بقسوة لم تعهدها في نفسها من قبل، وسكتت هنيهة لتضبط عواطفها كي لا يظهر اضطراب وجدانها في نبرات صوتها، ثم قالت: لا أفقه لما تقول معني.
فتنهد الشاب بحرقة، وترك ذراعيه تسقطان إلى جانبه، وقال: أتيت لأني لا أحتمل البعد عنك، وليس بي من قوة أستطيع بها التصبر أو التعزي، فعبثا حاولت أن أقيم لرجاء والدي وزنا، وعبثا حاولت أن أصرف نفسي عن التفكير فيك، وانتهزت فرصة سفر والدي لألوذ بالفرار، ولم أحسن التدبير؛ إذ كانت ظروفي في غاية القسوة، فأخذت نقود أبي.
وأسكته عن إتمام حديثه صرخة فرت من فم المرأة الخائفة المشفقة، وسمعها تسأله بألم: هل سرقت؟
فلم يحسن فهم الباعث لها على سؤالها، وقال بتأثر شديد: نعم سرقت، ولست آسفا على ما فعلت لأنه كان سبيلي الوحيد إليك، ولن أتردد عن أي تضحية في سبيل أن أحظى بقربك، وها هي نقودي فافعلي بها ما تشائين.
ولكنها أشارت إليه بيدها فأسكتته، وسألته بجفاء يعلم الله كم كلفها من جهد وعذاب: هل يعود أبوك من سفره سريعا؟ - بعد يومين أو ثلاثة.
فتنهدت المرأة ارتياحا وقالت: ينبغي أن ترجع في الحال إلى بلدك لترد النقود إلى مكانها فلا يعلم أبوك بجريمتك.
ناپیژندل شوی مخ