وعن سليمان أن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة منها طبقاها السماوات والأرض، فأنزل منها رحمة واحدة فيها يتراحم الخلائق حتى ترحم البهيمة بيهمتها، والوالدة ولدها، فإذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسعة والتسعين، ونزع تلك الرحمة من قلوب الخلائق، فأكملها مائة رحمة، ثم يصبها على خلقه، فالخائب من خاب من تلك المائة. وعن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" " والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم " قالوا يا رسول الله كلنا رحيم، يرحم الرجل نفسه وولده ويرحم أهله. قال " لا حتى يرحم الناس جميعا " "
، والوصف بملك يوم الدين لتحقيق الاختصاص، فإنه لا يشاركه أحد بوجه ما من الوجوه فى كونه ملك يوم الدين، ولتضمين الوعد للحامد والوعيد للكافر المعرض عن، الحمد، وقيل كرر الرحمن الرحيم لأنه لم يذكر فى البسملة من أنعم عليه، وهنا قد ذكره وهو العالمون فى قوله { رب العالمين } ، وقوله { الذين أنعمت عليهم } وليس هذا منافيا لما ذكرته أولا من أنه كررها لتعليل استحقاق الحمد وخصهما بالتكرير تنبها، على غلبة رحمته غضبه، وعلى أن العناية الرحمة أكثر منها بسائر الأمور، فلذلك كررهما دون لفظ الجلالة ولفظ رب ولفظ ملك، وذلك خمسة أسماء مذكورة فى السورة الله والرب والرحمن والرحيم والملك، كأنه قال خلقتك أولا فأنا إله، ثم ربيتك بإسباغ نعمتى فأنا رب، ثم عصيت فسترت فأنا رحمان، ثم تبت فغرت فأنا رحيم، ولا بد من إيصال الجزاء فأنا ملك يوم الدين، أى ملك يوم الجزاء كقوله تعالى فى بعض كتبه
" يا ابن آدم كما تدين تدان "
وصيرته العرب مثلا وورد فى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم فهو حديث قدسى. وقول الشاعر
واعلم وأيقن أن ملكك زائل واعلم بأنك كما تدين تدان
وقول الشاعر
ولم يبق سوى العدوا ن دناهم كما دانوا
يقال دانهم الله بفعلهم دينا بكسر الدال وفتحها، وإضافة ملك على ظاهرها يعنى أن يوم الجزاء وهو يوم البعث فى ملكه يحضره إذا شاء، ويجوز أن تكون من إضافة الوصف إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع بعد حذف المفعول، والأصل ملك الأمور يوم الدين، وهو يوم لما يحضر نزل منزلة الحاضر أو الماضى، كذا قيل.
والظاهر عندى أنه لا حاجة إلى هذا التنزيل، لأن ملك صفة مبالغة للاستقبال، أو لأن المعنى ثبت له من الأزل أو من اليوم، كما من الأزل أنه ملك يوم الدين، فإنه قد ملك ما سيخلقه كما يملك الإنسان ما غاب عنه تعالى الله، وقيل إنه نزل يوم الدين لتحقق وقوعه منزلة الواقع فتستمر مالكيته فى جميع الأزمنة، فتكون الإضافة حقيقة تسيغ نعت المعرفة بملك، فان إضافة الوصف الاستمرارية حقيقة بالنسبة إلى ما مضى ولفظية بالنسبة إلى ما حضر وما استقبل، ونعت المعرفة قرينة على اعتبار جانب المضى، وقيل الدين الشريعة وقيل الطاعة، ويقدر مضاف فيهما أى يوم جزاء الشريعة أو يوم جزاء الطاعة، والمعنى الجزاء عليهما وقيل الدين القهر، يقال دنته فدان أى قهرته فذل، وقال ابن عباس الدين الحساب، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بالألف، ويعضده قوله تعالى
ناپیژندل شوی مخ