ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
إن الله يعذبهم فى الآخرة مع إقرارهم وتوحيدهم، وهذا مما يدل على أن المنافقين ليسوا بمشركين . أنتهى. وليس بمتعين، لأنه إنما بناه على تقدير لا يشعرون أن الله يعذبهم... إلخ وليس تقديرا متعينا. { ألا أنهم هم السفهآء ولكن لا يعلمون } أكد الرد عليهم بما أكد به فى قوله
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
إلا أنه قال هنالك لا يشعرون، وهنا لا يعلمون، لتتم المطابقة لذكر السفه، فإن السفه جهل فطابقه العلم، ولأن الوقوف على أمر الإيمان وشرائطه وتمييز الحق من الباطل مما يحتاج إلى نظر وتفكر، فاستعمل فيه العلم لأنه الاعتقاد الجازم الذى لا يقبل التشكيك. وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد، فيدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم، لأنه معروف بالعادة حتى كأنه محسوس، فاستعمل فيه الشعور وهو الإحساس بالشىء لظهوره، أو التفطن له، وقد استعمل الشعور بمعنى العلم فى قوله { وما يشعرون } ويحتمله ما هنا أيضا فيكون التعبير بالعلم تارة، وبالشعور أخرى، تفننا ونظرا إلى ظاهر لفظ الشعور، وتقدير الآية ولكن لا يعلمون أنهم سفهاء، وكذا قال الحسن، وأما السدى فقال ولكن لا يعلمون أن الله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأما السدى فقال ولكن لا يعلمون أن الله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقولهم، والأول أولى وهم جاهلون بجهلهم، فجهلهم مركب، والجاهل جهلا مركبا لا يكاد يقلع عن ضلالته، لأنه يراها رشدا.
[2.14]
{ وإذا لقوا } أصله لقيوا بكسر القاف وضم الياء نقلت ضمة الياء لثقلها عليها إلى القاف بعد سلب كسرته، فالتقى ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء، ثم التقى ساكنان الواو ولام أل فحذفت الواو فى التلاوة وثبتت فى الرسم واللقاء أواخر الاستقبال إلى الشىء وأوائل الاجتماع به، وإن شئت فقل المصادفة، يقال لقيه ولاقاه بمعنى، وقد قرأ أبو حنيفة { وإذا لاقوا } بمد الألف وفتح القاف وكسر الواو للساكن بعدها، ويقال ألقيته أى طرحته بحيث يوافيه الماشى ويصادفه، ويجتمع به فأصلهما واحد والمعنى وإذا صادفوا. { الذين آمنوا } واجتمعوا بهم وهم المهاجرون والأنصار ومن يهابونه من المؤمنين. { قالوا } لهم { آمنا } بما أمنتم به، بالله وباليوم الآخر والقرآن، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن قلت هل يتكرر قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } مع قوله
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا
قلت لا يتكرر معه، لأن قوله عز وعلا
ومن الناس من يقول آمنا
سبق لبيان طريقهم فى النفاق وتمهيد نفاقهم بأن صرح بأنهم يؤمنون بألسنتهم فقط. وأما قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا }.. إلخ فتصريح بأنهم يلاقون المؤمنين بوجه، ويلاقون الكافرين بوجه آخر، وزادوا على ذلك أنهم يخبرون والكفار بأن الوجه الذى نلقى به المؤمنين مخادعة غير حقيق، قال ابن عباس نزلت هذه الآية فى عبد الله بن أبى وأصحابه، خرجوا ذات يوم واستقبلهم نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبى أنظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبى بكر الصديق فقال مرحبا بالصديق سيد بنى تميم، وشيخ الإسلام، وثانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار، الباذل نفسه وماله لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بنى عدى بن كعب الفاروق القوى فى دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد على فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وسيد بنى هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له على اتق الله يا عبد الله ولا تنافق، فإن المنافقين شر خليقة الله تعالى، فقال مهلا يا أبا الحسن لا تقل هذا والله، إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم. ثم تفرقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتمونى فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا. رواه الواحدى والبغوى وغيرهما، يزيد بعض على بعض. وختن الرجل عند العرب من كان من جهة امرأته، وعند العامة زوج ابنته وكلاهما صحيح عندى. { وإذا خلوا إلى شياطنهم } إلى بمعنى مع أو عند، ولو قيل خلوا بشياطينهم لكان أيضا بمعنى معهم أو عندهم، ويجوز إبقاء إلى على أصلها من الانتهاء، على أن خلا بمعنى مضى، أى مضوا من المؤمنين أو عن المؤمنين إلى شياطينهم، أو بمعنى جاوزوا المؤمنين إلى شياطينهم، يقال خلاك ذم أى جاوزك إلى غيرك، أو ضمن خلا بمعنى رجع، أى رجعوا إلى شياطينهم فإن الخلو من شىء رجوع إلى غيره، أو ضمن معنى الإنهاء والإبلاغ من خلا فلان إذا سخر منه وعبث به، أى إذا بلغوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها، يقال أحمدك الله، أى أبلغك أنى أحمده على حالك، وأذم إليك عمرا كذلك، فمفعول خلا محذوف كما رأيت تقديره، أو خلا باق على معنى الانفراد واللزوم، فيقدر حال ومفعولها، أى وإذا انفردوا مبلغين السخرية إلى شياطينهم، والمراد بشياطينهم الآدميون الذين يشبهون الجن المتمردين على دين الله فى القول والفعل علانية وتصريحا، وتسميتهم شياطين استعارة تصريحية تحقيقية أصلية، والقرينة إضافة الشياطين إليهم والخلو إليهم المذكور بعد، وهم أولى لقوتهما فى جانب الحقيقة، وإذا جعلنا شياطينهم قرينة فما سواه تجريد وإنما أضيفوا إليهم للمشاركة فى الكفر، أو لأنهم قدوتهم ورؤساؤهم.
ناپیژندل شوی مخ