والمشى من المقعد بمرض أو غيره، أم ممتنع عقلا لإعادة كذا قال المحلى ومثله بإيمان من علم أنه لا يؤمن. قال زكرياء الأنصارى لأن العقل يحيل إيمانه لاستلزامه انقلاب العلم القديم جهلا، قال ولو سأل عنه أهل العلم لم يحيلوا إيمانه، كذا جرى عليه كثير. والذى عليه الغزالى وغيره من المحققين أن ذلك ليس محالا عقلا أيضا بل ممكن مقطوع بعدم وقوعه، ولا يخرج القطع به بذلك عن كونه ممكنا بحسب ذاته. قال السعد التفتازانى كل ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس. انتهى. وتمثيل المحلى مشكل، وكذا تجويزه أن يكون الشىء محالا عقلا جائز عادة. وقد يجاب بأن الاستحالة إنما هى باعتبار ملاحظة لزوم انقلاب العلم جهلا. وهذا الاعتبار عقلى لا مدخل للعادة فيه، لأنه إنما ينظر فيها لظاهر الحال، قال ابن القاسم وكنت أجيب به من تلقاء نفسى حتى رأيته له والحمد لله، ومعنى استحالة الشىء لذاته أن العقل إذا تصوره حكم بامتناع ثبوته، قال بعض إن جواز التكليف بالمحال عقلى وإن معناه أن يأخذ فى الأسباب لا أن يقع بالفعل إن كان لذاته، والتكليف المحال راجع للمأمور كمسألة تكليف الغافل والساقط من جبل، وقضية تعبيرهم بالتكليف اختصاص الخلاف بالوجوب ، ولا يبعد جريانه فى الندب أيضا وهو يتصور ذلك فى الحركة والكراهة، بأن يطلب منه ترك ما يستحيل تركه طلبا جازما أو غير جازم فيه نظر، ويمكن أن يتكلف تصويره بتحريم، نحو المكث تحت السماء. قاله الصبان ومنع أكثر المعتزلة وأبو حامد الإسفرانى والغزالى وابن دقيق العيد التكليف بالمحال. الذى ليس ممتنعا لتعلق العلم بعدم وقوعه. قاله فى جمع الجوامع. قال منع الموانع أى منعوا الممتنع لغير تعلق العلم، لأنه لظهور امتناعه للمكلفين لا فائدة فى طلبه منهم، فالذى لا يجوز التكليف به عندهم المحال لذاته والمحال عادة الذى هو أحد قسمى المحال لغيره، واعترض بأن انتفاء الفائدة فى طلبه لا يمنع. لأن أفعال الله تعالى لا لعله ولا لغرض وأجيب بأن المراد بالفائدة الحكمة، والمنفعة الراجعة إلى المخلوق، وبالنظر إلى قول الغزالى ومن معه، والعلة والباعث بالنظر إلى قول المعتزلة، لأنه بعد ما ينفى النافى العلة والغرض من أفعاله تعالى لا ينفى عنها الفوائد، بمعنى الحكم والمصالح الراجعة إلى الخلق، وأجيب عن قولهم لا فائدة. إلخ بأن فائدة اختيارهم هل تأخذون فى المقدمات فيترتب عليها الثواب أو لا؟.. فالعقاب إما الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه، فالتكليف به جائز وواقع اتفاقا، وما ذكر من الجواب بأن فائدته إخبارهم جواب بتسليم أنه لا بد من اشتمال فعله - تعالى - على فائدة، مع أنه لا يسأل عما يفعل. ولئن سلمنا لا نسلم أنه لا بد من ظهورها، إذ لا بد من الحكيم إطلاع من دونه على وجه الحكمة.
كما قاله القفال فى محاسن الشريعة، واعترض بأن هذه الفائدة ينميها قول المستدل لظهور امتناعه للمكلفين. وقد يجاب بأن الأخذ فى الأسباب باعتبار أن المكلف يجوز خرق العادة، فيأخذ فى المقدمات، ويبحث فى هذا بأنه إنما يتم فى المستحيل عادة لا فى المستحيل لذاته. والأحسن أن يجاب بأن المراد بالأخذ فى الأسباب ما يشمل طيب النفس وإذعاتها للتكليف بذلك. ولا شك أنه يتصور تعلقهما بالممتنعات، قاله ابن القاسم. قال ابن الصبان ولا يخفى ما فيه ومنع معتزلة بغداد والآمدى التكليف بالمحال لذاته دون المحال لغيره بقسميه، ومنع إمام الحرمين التكليف بما استحالته لغير تعلق العالم، فاستحالته عند مانعة من التكاليف به فإن طلب الشىء مع العلم باستحالته لا يتصور كونه طلبا حقيقة إذ طلب الشىء حقيقة فرع عن إمكان حصوله وإلا كان عبثا، وليست استحالته مانعة من طلبه فى قول الأسفرانى والغزالى، وابن دقيق العيد السابق، وهو مخالف لقول إمام الحرمين فى المأخذ لا فى الحكم، فإن مأخذ الإمام الاستحالة، ومأخذهم عدم الفائدة فى الطلب، ولم يمنع إمام الحرمين ولا غيره ورود صيغة الطلب له لغير طلبه. قال فى جمع الجوامع ومنع الموانع والمعنى أنهم لم يمنعوا أن ترد لغير طلب المحال كقوله تعالى
كونوا قردة خاسئين
قال ابن السبكى والمحلى والصبان الحق وقوع التكليف بالممتنع بالغير، وهو الممتنع عادة فقط، وبالممتنع عقلا فقط، وهو الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه، أما وقوع التكليف بالممتنع بالغير، فأنه تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين
فامتنع إيمان أكثرهم لعلمه تعالى بعدم وقوعه. وذلك من الممتنع لغيره. وأما عدم وقوع التكليف بالممتنع بالذات فاللاستقراء، إذ لم يوجد أن الله تعالى كلف أحدا أن يجمع بين الماء والنار مع بقائهما على حالهما أو نحو ذلك، وقيل يقع التكليف بما هو محال لذاته كما يقع المحال لغيره لأن من أنزل الله فيه أنه لا يؤمن بقوله مثلا { إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } كأبى جهل وأبى لهب وغيرهما، مكلف فى جملة المكلفين بتصديق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به جميعا عن الله. ومنه أنه لا يؤمن أى لا يصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فى شىء مما جاء به عن الله، فيكون مكلفا بتصديقه فى خبره عن الله، بأنه لا يصدقه فى شىء ما جاء به عن الله، وفى هذا التصديق تناقض حيث اشتمل على إثبات التصديق فى شىء ونفيه فى كل شىء، فهو من الممتنع لذاته، وقد تقدم هذا. وإيضاحه أن من نزلت فيه هذه الآية المذكورة قد حكم عليه بأنه لا يصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فى شىء مما جاء به، على السلب الكلى، لأن قوله لا يؤمنون أى لا يصدقون بشىء مما جئت به كما يفيد حذف المعمول فى قوة سالبة كلية قابلة لا تصديق لهم بشىء مما جئت به، وهم مكلفون من جملة المكلفين بتصديق النبى - صلى الله عليه وسلم - فى جمع ما جاء به الذى من جملة مدلوله هذه السالبة الكلية، وهو عدم تصديقهم فى شىء مما جاء به وتصديقهم هذا الذى متعلقه عدم التصديق بشىء مما جاء به، فرد من أفراد التصديق المنفى الواقع موضوعا للسالبة الكلية المتقدمة، فهو إيجاب جزئى فى قوة قولنا هم يصدقونه فى أخباره بأنهم لا تصديق لهم بشىء مما جاء به.
وقد علم أن الإيجاب الجزئى يناقض السلب الكلى، فيكونون قد كلفوا بهذا التصديق الذى متعلقه عدم التصديق الكلى، مع كون ما كلفوا به من هذا التصديق الجزئى منتفيا، لكونه فردا من أفراد التصديق المنفى، الواقع موضوعا للسالبة المتقدمة، فقد لزم من تكليفهم بهذا التصديق اجتماع النقيضين، وهو اللازم على التكليف بالمحال لذاته، فيكون التكليف به من التكليف بالمحال لذاته، ويجاب بأن من أنزل فيه أنه لا يؤمن لم يقصد إبلاغه ذلك أنه لا يؤمن فلا يكون مكلفا بتصديقه فيه فلا يلزم التناقض، وإنما قصد إبلاغ أنه لا يؤمن لغير من أنزل فيه أنه لا يؤمن وإعلام النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه لييئس من إيمانه كما قيل لنوح عليه السلام
إنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن
فتكليفه بإيمان من التكليف بالممتنع لغيره، وهو الذى امتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه. وقال الجمهور لا يقع التكليف بالممتنع لغيره ولا لذاته إلا فى الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه لقوله تعالى
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
ناپیژندل شوی مخ