هميان الزاد إلى دار المعاد
هميان الزاد إلى دار المعاد
" اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث "
، ومر ابن أبى الدنيا على سكران أن يبول فى يده ويغسل به وجه كهيئة المتوضئ، ويقول الحمد لله الذى جعل الإسلام نورا والماء طهورا، وقيل فى الجاهلية لابن مرداش لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد فى جراءتك؟ فقال ما أنا بآخذ جهلى بيدى فأدخله فى جوفى، ولا أرضى أن أصبح سيد قومى وأمسى سفيههم. وأنهم كانوا يتقامرون حتى لا يبقى لأحدهم شئ ويتوارثون العداوة فى ذلك والمشاتمة، لأخذ ماله بلا عوض، وبلا رضا من نفسه، وفيه وفى الخمر شغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد ذكر الله فى سورة المائدة ذلك الإثم لقوله
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء
إلى قوله
وعن الصلاة
{ ومنافع للناس } ككسب الأموال بالخمر واللذة بشربها، وتقوية الضعيف وهضم الطعام، والإعانة على الباه وتسلية المخزون، وتشجيع للجبان، وتسخية البخيل، وتصفية اللون، وتنعيش الحرارة الغزيزة والزيادة فى الصحة، والمؤمن يكفيه إيمانه فى ذلك كله، ويستغنى فى خبثها، وكالتوسعة للفقراء المحتاجين بالميسر، لأن نصيب الغانم منها عائد إليهم حتى إنه قد يحصل للواحد فى المجلس الواحد مائة بعير، يفرقها للفقراء ويكسب المدح والثناء. { وإثمهما أكبر من نفعهما } أى الذنب الذى يحصل بهما كالاشتغال عن الصلاة والذكر بهما، والضرب والشتم فى الخمر أكبر من النفع الذى يحصل بهما، لأنه الذنب يضر بالآخرة ولو قصد بهما أمر الدنيا كالشجاعة فى الحرب والسخاء، ونفع الفقراء، فإنه لا عذر فى الاشتغال عن الصلاة والذكر، ولا عذر فيما فعل السكران، ولو قيل تحريم الخمر فإنه يعنف ويغرم، وقيل الإثم للفساد فإما أن يراد أن المفاسد الدينية التى تحصل منهما أكبر المنافع الدنيوية الحاصلة بها، وإما أن يراد ما فيهما من الجناية كالضرب والشتم المؤديين إلى غرم الأموال، وكالعداوة المورثة بالقمار فقيل إن الخمر حرمت بقوله { وإثمهما أكبر من نفعهما } لأن المفسدة إذا ترجحت على المصلحة اقتضت تحريم الفعل، وفى هذا القول تلويح بأن التحسين والتقبيح عقليان، وهو مذهب المعتزلة، وهو باطل، وعن ابن عباس والربيع الإثم فيهما بعد التحريم يعنيان الذنب والنفع قبله. { ويسألونك ماذا ينفقون } قيل حثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق، وقيل سأل عمر وبن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذى أنفق؟ أقليلا أنفق أم كثيرا؟ فكأنه قال ما مقدار ما ينفقون؟ سأل هنالك عن نفس ما ينفق وعمن ينفق عليه، وهنا عن كميته واللفظ واحد، ويعلم ما سأل عنه فى ذلك من الجواب فى الموضعين، فإن الجواب بالعفو وما هو تيسر دليل على أن السؤال عن الكمية هنا، ولو كان كثيرا ما يجاب بغير ما سئل عنه لعلة، وإنما يجمع مع أن السائل واحد، لأن غيره راض بسؤاله مصغ إلى الجواب، ومحتاج إلى ما احتاج إليه من السؤال، وربما أنفقوا أيضا فقدموا للسؤال قبل أن ينزل آية الزكاة.
قال القرطبى لما نزل فى سؤال عمرو بن الجموح
قل ما أنفقتم من خير فللوالدين
قال أيضا كم أنفق؟ فنزل قوله تعالى { قل العفو } أى قل أنفقوا العفو وهو ما تيسر، بأن فضل عن الحاجة، فكان سهلا لا مشقة فى إنفاقه، فكأنه قال أنفقوا ما سهل وتيسر، ولم يشق عليكم إنفاقه، ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه، فتضيعوا أنفسكم، قال الشاعر يخاطب زوجته
خذى العفو منى تستديمى مودتى ولا تنطقى فى سورتى حين أغضب فإنى رأيت الحب فى الصدر والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
ناپیژندل شوی مخ