هميان الزاد إلى دار المعاد
هميان الزاد إلى دار المعاد
ففى لك زيادة توصية بصيام الثلاثة والسبعة، وألا يتهاون بها ولا ينقص منها، ولا يزاد فيها على نية الوجوب معها، بل من شاء زيادة فلينو نفلا على حدة، والأولى أن يفصله، ومن عادة العرب التأكيد بالتكرير، كقوله الله الله لا تقصر فى فرائض الله، وقولك الله الله لا تتبع الهوى، وفى ذكر هذه الجملة دعاء إلى علم العدد جملة بعد علمه تفصلا، تقول العرب علمان خير من علم وأكثر العرب لا تعرف الحساب، فضم لها الثلاثة والسبعة باسم واحد، وأيضا فى الجملة نفى ما قد يتوهم من أن الواو فى قوله { وسبعة } للتخيير من أن التمتع لزمه، وإما أن يصوم ثلاثة فى الحج، وإما سبعة إذا رجع، وهذا أولى من أن يقال نفى لما قد يتوهم من الإباحة، إذ لا يتوهم أن الواجب أحدهما، وأنه يجوز الجمع بينهما، على أن كلا واجب قال ابن هشام تكون الواو بمعنى أو فى الإباحة، قاله الزمخشرى، وزعم أنه يقول جالس الحسن وابن سيرين، أى أحدهما، وأنه لهذا قيل تلك عشرة كاملة لئلا يتوهم إرادة الإباحة، والمعروف من كلام النحويين، أنه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين، كان أمرا بمجالسة كل منهما، وجعلوا ذلك فرقا بين العطف بالواو والعطف بأو، وتكون الواو أيضا بمعنى أو فى التخيير، قال أبو شامة وزعم بعضهم أن الواو تأتى للتخيير مجازا. انتهى كلام ابن هشام بتصرف وإسقاط، وقال زعم ابن مالك أن أو التى للإباحة حالة محل الواو، وهو مردود، لأنه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين كان المأمور به مجالستهما ولم يخرج المأمور عن العهد بمجالسة أحدهما، هذا هو المعروف من كلام النحويين، ولكن ذكر الزمخشرى عند الكلام على قوله تعالى { عشرة كاملة } أن الواو تأتى للإباحة نحو جالس الحسن وابن سيرين، وإنما جاء بالفذلكة رفعا لتوهم إرادة الإباحة فى { فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم } وقلده فى ذلك صاحب الإيضاح البيانى، ولا تعرف هذه المقالة لنحوى انتهى كلام ابن هشام. وأراد بصاحب الإيضاح البيانى الخطيب القزوينى احترازا من صاحب الإيضاح النحوى وهو الفارسى، ورد قوله ولم يخرج المأمور إلخ بأن الأمر للإباحة فلا عهدة فيه، وأجيب بأن المراد بقوله كان المأمور به مجالستهما معا أن الواو لمطلق الجمع للإباحة، والأمر كالإلزام مجالسة كل منهما، والفذلكة الإجمال بعد التفصيل، وهى تحث من قولك فذلك، وليست مختصة بأن يقال فذلك بل هى اسم لكل إجمال بعد تفصيل، بلفظ قولك فذلك أو فتلك أو تلك أو ذلك أو المجموع أو نحو ذلك، ولا يختص بالفاء ولكن سمى ذلك فذلكة لأن الغالب أن يقول فذلك، ورد الدمامينى قوله ولا تعرف هذه المقالة لنحوى، بأن الفارسى نص فى شرح كتاب سيبويه على أن الواو تأتى للإباحة، قال كرجل أنكر على ولده مجالسة أهل الريب والزيغ، فقا دع مجالسة هؤلاء وجالس الفقهاء والقراء وأهل الحديث، فذلك كله بمعنى.
وقد رجع ابن هشام عن هذا فنص فى حواشى التسهيل على أن الواو تأتى للإباحة، وأنه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين فللمخاطب أربعة أحوال تركهما وفعلهما، وترك الأول دون الثانى، وعكسه. وأقول ولعل الواو تستعمل فى مقام الإباحة أو التخيير، وليست تفيد أحدهما، بل يفيدهما المقام، كأنه قال جالس هذا وإن شئت فجالس ذاك، كما أشار إليه ابن هشام فى التخيير عن محققى شراح الشاطبية، ويحتمل أن يكون قوله تعالى { تلك عشرة } دفعا لما قد يتوهم أن قوله { سبعة } كناية عن كثرة العدد، لأنها تستعمل بمعنى العدد الكثير كعشرة وأحد عشر وما فوق ذلك، وتستعمل بمعنى ما زاد على الستة بواحد، وفى هذا أيضا زيادة محافظة عن تعيين العدد بحيث لا يزاد فيه ولا ينقص عنه، ويجوز أن تزاد تلك الاحتمالات كلها، ويجوز أن تكون تلك عشرة كاملة إخبار بمعنى الأمر، أى أكملوا عشرة، وقال الحسن المعنى كاملة الثواب، ويجوز أن يكون المعنى كاملة البدلية الهدى تامة فى قيامها مقام الهدى من حيث الثواب، أو من حيث إنها كفارة مثله، فجئ به دفعا لما يظن ظان أن الثلاثة قامت مقام الهدى وحدها، ويجوز أن يكون المعنى بيان كمال العشرة، لأنها أول عدد كامل إذ بها تنتهى الآحاد. { ذلك } المذكور من لزوم الهدى لمن وجده والصوم لمن لم يجده. { لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } أى ذلك حكم ثابت، أو ذلك ثابت لمن لم يكن أهله من أهل مكة وما يليها، وهم الحاضرون للمسجد الحرام، أى قريبون إليه، وحاضرى جمع مذكر سالم محذوف النون للإضافة، والياء لالتقاء الساكنين نطقا، وثبتت فى الكتابة فى الإمام، والذى كان أهله حاضرى المسجد الحرام هو من وطنه قريب من المسجد الحرام، بأن كان فى مكة أو فى قريب منها، وعن عطاء قيل ما لا تقصر فيه الصلاة، فهو من حاضرى المسجد الحرام، وما تقصر فيه فليس من حاضريه، فليزمه ما يلزم المتمتع، وقيل من كان بينه وبين مكة ليلة فهو من حاضرى المسجد الحرام. وقال الشافعى من لم يكن على مرحلتين من الحرم فهو من حاضريه لازم عليه ولا صيام، وإن تمتع، وقيل عنه من كان على مسافة القصر فليس من حاضريه، وإن كان على أقل فمن حاضريه وقيل من وراء الميقات فليس من حاضريه، ومن كان فى الميقات أو دونه فمن حاضريه، وهو قول أبى حنيفة، وقيل من كان دونه فمن حاضر المسجد ومن كان فيه أو خلفه فليس من حاضريه.
وقال مالك من كان من أهل مكة فهو من حاضريه، ومن لم يكن منهم فليس من حاضريه، ولو كان وطنه فى الحرم. وقال ابن عباس ومجاهد وطاووس من كان مسكنه داخل الحرم فهو من حاضريه، ومن كان وراءه فليس من حاضريه، وقال ابن جريج من كان من أهل عرفة والرجيع أو صبحان أو نخلة فمن حاضريه، ومن كان وراء ذلك فليس من حاضريه، وقيل من لزمته الجمعة فى مكة فمن حاضريه ومن لم تلزمه فليس منهم، قيل الحاضرة فى هذا القول ضد البداوة، ولا يختص بهذا القول، بل يكون أيضا فى قول التقصير، والمذهب عندنا أن حاضر المسجد الحرام من كان دون الفرسخين منه، أو من مكة، أو من كان داخل الحرم، أقوال ثلاثة فى المذهب، وقال أبو حنيفة الإشارة فى قوله عز وجل { ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } ، عائدة إلى التمتع، فيكون المعنى إن التمتع مباح لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام، وكان يقول التمتع والقران لغير حاضرى المسجد الحرام، يقول إن تمتع أو أقرن حاضره لزمه دم جنابة، ويدل له ما ذكروا عن عطاء عن ابن عباس يا أهل مكة ليس لكم متعة، فإن كنتم فاعلين لا محالة فاجعلوا بينكم وبين مكة واديا، أى ليس لكم أن تحرموا بعمرة فى أشهر الحج وحدها، وتحلوا منها، وظاهره أن لهم القران، واختلفوا فى القارن من أول الأمر أو أدخل حجا على عمرة، أو عكس من أهل مكة ومن سائر الآفاق أن يلزمه ما يلزم المتمتع الصحيح أنه لا يلزمه، وقيل حاضر المسجد الحرام دون سائر أهل الآفاق. زعم بعض أن القارن ملحق بالمتمتع فى سنة، واختلفوا فيمن قام بمكة قبل أشهر الحج ولم يستوطنها، فقيل هو كمستوطنها، وقيل لا، ويدل على أن الإشارة للمتمتع كما هو مذهبنا، ومذهب الجمهور ما أخرجه البخارى فى صحيحه ومسلم فى غير صحيحه
" من حديث عكرمة يسأل ابن عباس عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدى " فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فلبسنا الثياب، وقال " من قلد الهدى فإنه لا يحل من شئ حتى يبلغ الهدى محله ". ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا، وعلينا الهدى "
كما قال الله تعالى { فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم } إلى أمصاركم، والشاة تجزى، فجمعوا بين النسكين بين الحج والعمرة، فإن الله أنزله فى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام } قال الحميدى قال أبو مسعود الدمشقى هذا حديث عزيز لم أجده إلا عند مسلم بن الحجاج، ولم يخرجه فى صحيحه من أجل عكرمة فإنه لم يرو عنه فى صحيحه، وعندى أن البخارى إنما أخذه من مسلم، قلت حفظت أن مسلما هو الذى أخذ علم الحديث عن البخارى، فالأنسب أن مسلما هو الذى أخذ هذا الحديث عنه البخارى.
{ واتقوا الله } فى كل ما أمر به أو نهى عنه، ولا سيما الحج، أى خافوه إجلالا، أو خافوا عقابه، وخوف عقاب. { واعلموا أن الله شديد العقاب } على من لم يمتثل أمره ولم ينته عما نهى لتصلوا بعلم ذلك إلى الامتثال والانتهاء.
[2.197]
{ الحج أشهر معلومات } لا يخفى أن الحج ليس نفس الأشهر، فيتم الكلام بتقدير، أى الحج حج أشهر معلومات دون الحج فى غير تلك الأشهر، وقد كانوا يحرمون الحج فى غير أشهره ويقضونه فى أشهره، وكانوا أيضا يحجون فى غير أشهره على مقتضى النسئ، فحذف المضاف آخرا، روى الربيع عن أبى عبيدة
" لما أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحج الوداع، وهى حجة التمام، فوقف بعرفات فقال " يا أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، فلا شهر ينسى ولا عدة تحصى، ألا وإن الحج فى ذى الحجة إلى يوم القيامة "
، أو الحج وقته أشهر معلومات أو حذف المضاف أولا وهو زمان، وناب عنه المصدر، كقولك صلاة العصر موعدنا، أى وقت العصر. قال ابن هشام إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزأين، ومع ثانيها، فتقديره مع الثانى أولى نحو الحج أشهر، فكون التقدير الحج حج أشهر معلومات، أو من تقدير أشهر الحج أشهر معلومات، لأنك فى الوجه الأول قدرت عند الحاجة إلى التقدير، ولأن الحذف من آخر الجملة أولى. انتهى. وتقدم كلام فى قوله عز وجل { ولكن البر من آمن بالله } وهن شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذى الحجة بيوم النحر، وعنهما شوال وذو القعدة كله، وبالرواية الأولى عن ابن عباس، يقول أبو حنيفة وقول الشافعى، وهو قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير والحسن وابن سيرين والشعبى والثورى، وأبو ثور، وبالراية الأولى، عن ابن عباس يقول ابن عمر وعروة بن الزبير، وعطاء وطاووس والنخعى وقتادة ومكحول والضحاك، والسدى وأحمد بن حنبل، وبالرواية الثانية عن ابن عباس يقول ابن عمر والزهرى، واحتج الشافعى بأن الحج يفوت بطلوع الفجر المنتشر الذى تحل به الصلاة من يوم النحر، والعبادات لا تفوت مع بقاء وقتها، وبأن الإحرام بالحج لا يجوز فيه، وحجة ابن عباس فى الرواية الأولى عنه أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر، وأن فيه طواف الإفاضة، وهو تمام أركان الحج وحجته فى الرواية الثانية عنه أن الله تعالى ذكر وقت الحج بصيغة الجمع وهو أشهر، وأقل الأشهر ثلاثة، وأن كل شهر أوله من أشهر الحج قد كان آخره كذلك، ومن قال ليلة النحر من أشهر الحج أجاز للإنسان أن يحرم فيها، ويقف بعرفات مقدار الباقيات الصالحات قبل طلوع فجر الصلاة، وأما تسمية يوم النحر وما بعده لآخر الشهر من أشهر الحج فباعتبار أنه يعمل فيها ما بقى من المناسك كالرمى والطواف والسعى، وإنما ذلك اختلاف فى تفسير أشهر الحج المذكورة فى الآية، فبعض فسرها بما يصح فيه الإحرام بالحج والوقوف، وبعض فسرها بذلك مع ما يعمل فيه ما بقى من المناسك، وإن قلت من قال ذو الحجة كله، فلا إشكال عليه، أما القائلون ببعضه فكيف يسمى وقت الحج أشهرا مع أنه لم يتم ثلاثة أشهر؟ قلت الذى عندى أنه لا إشكال، لأن المعنى أن الحج يعمل فى ثلاثة أشهر، لأنه إذا كان يعمل فيه بعض ذى الحجة صح أن يقال أنه عمل فى ذى الحجة، كما تقول عملت كذا فى شهر كذا، وإنما عملته فى ستة منه، ولا سيما أن ذا الحجة كله يعمل فيه باقى الحج، وأما إن يقال أطلق بعض الجمع على ما فوق الواحد مجازا أو حقيقة، فلا يصح هنا عندى لأنه ليس المراد هنا شهرين فقط، فلو قلنا بذلك لتعطلت البقية، بل لو قيل إن أشهر جمع شهر الحقيق وشهر المجاز بعلاقة البعضية أو الكلية أو علاقتهما لكان أولى من هذا الذى ذكرت أنه لا يصح، ولو كان جمع اللفظ الحقيقى والمجازى فى صيغة واحدة مرجوحا مختلفا فيه، وتجوز العمرة عندنا فى باقى السنة، وكره مالك العمرة فى باقى ذى الحجة، زاعما أن وقت الحج ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا، وكذلك قيل عن عمر وابن عمر وعروة أن العمرة غير مستحبة فى باقى ذى الحجة، فكأنه مخصص للحج وكان شهر حج لا غير، وكان عمر فيما قيل يصرب الناس بالدرة على العمرة فى باقيه وينهاهم، وقال ابن عمر لرجل إن أطعتنى انتظرت حتى إذا أهللت المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة، وقالوا لعل مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر، وكره أبو حنيفة الإحرام بالحج قبل شوال وأمضاه إن وقع، زاعما أن المراد بوقته وقت أعماله ومناسكه، فأجاز الإحرام به قبل شوال دون أعماله ولا معارضة بين هذه الآية وقوله
ناپیژندل شوی مخ