فزادتهم إيمانا
ليزدادوا إيمانا
ولا مانع من قبول التصديق لهما، لأن اليقين الأخص الذى هو أخص من التصديق متفاوت القوة، ألا ترى إلى ما بين أجلى البديهيات ككون الواحد نصف الاثنين، وأخفى النظريات القطعية ككون العالم حادثا عالم السماوات والأرض، ولا خلاف فى أن تصديقنا ليس كتصديق أبى بكر، وتصديقه ليس كتصديق الأنباه، ومانع الزيادة والنقص نقول لا تمنعها إلا بالنسبة لذات التصديق دون آثاره الخارجة، وتفاوت اليقين السابقة ليس تفاوتا فى شدة وضعف، بل فى ظهور الكشاف أو تقدم أو تأخر، ويقول زيادته فى الأدلة هى زيادة إشراقه فى القلب، وثمراته كدوام حضوره بتوالى أشخاصه، ويقول الإيمان عرض لا يبقى زمانين، بل يتجدد حضوره وتواليها الاستمرار شهود موجبة مع شهود الجلال والكمال، وهذا يخص كماله بالإنبياء، ويشاركهم أكابر المؤمنين فى نوع منه، فثبت لهم إعداد من الإيمان لا تثبت لغيرهم، وقضية ذلك أن استمرار حضور الجزم زيادة قوة فى ذاته، وليس كذلك عند المانع، ومن أثبتهما وأراد هذا فالخلاف لفظى لاتفاق الفريقين على ثبوت التفاوت فى الإيمان بهذا الأمر المعين، فبقى الخلف هل هذا المعين داخل فى ماهية التصديق أو خارج عنها ولا عبرة به، لأنه ليس خلافا فى نفس التفاوت، قال النووى قال محققو أصحابنا المتكلمين يعنى الشافعية نفس التصديق لا يقبلهما، والإيمان الشرعى يقبلهما يزيادة ثمراته وهى الأعمال ونقصها، قال وفى هذا توفيق بين ظواهر لنصوص التى جاءت بالزيادة واللغة وهو حسن ولكن الأظهر - والله أعلم - أن نفس التصديق يزيد لكثرة النظر، ويظاهر الأدلة إذ لا يمكن إنكار إن إيمان المصدقين أقوى من إيمان نحو المؤلفة. والله أعلم. قال ابن أبى مليكة أدركت ثلاثين صحابيا كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم من أحد يقول إن إيمانه على إيمان جبريل وميكائيل، رواه البخارى وقد قال الله عز وعلا لإبراهيم، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام
أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى
فهو كمن علم ببستان فى غاية النضرة والخضرة، فنازعته نفسه فى مشاهدته، فإنها لا تسكن ولا تطمئن إلا إن شاهدته، فطلب بذلك سكون قلبه عن المنازعة إلى رؤية تلك الكيفية التى طلب رؤيتها، وأنه طلب العلم البديهى بعد العلم الاستدلالى. والله أعلم. والغيب فى الأصل مصدر بمعنى الغيبوية والخفاء، وأخرج عن ذلك واستعمل بمعنى اسم الفاعل، كأنه قيل يؤمنون بالشىء الغائب، وهو البعث ورضا الله سبحانه وتعالى وسخطه، والجنة والنار والملائكة، والقضاء والقدر ونحو ذلك. فالباء للتعدية متعلقة بيؤمنون، ويجوز أن يكون فى الآية وما أشبهها وصفا من أول الأمر أصله، غيب بفتح الغين وكسر الياء مشددة، حذفت الياء المتحركة وبقيت المدغمة، فهو قبل التخفيف يوزن فيعل بفتح الفاء وإسكان الياء وكسر العين، أو بوزن فعيل بفتح فكسر وإسكان، ووقع القلب المكانى كما قيل فى سيد وميت ولين وهين ونحو ذلك، والمراد بالغائب الذى يؤمنون به ما لا يدركه حس كما مر التمثيل به أنفا، ولا تقتضيه بدلالة العقل، سواء كان عليه دليل كالأمثلة المذكورة أو لم يكن، وهو المراد بقوله تعالى
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو
ويجوز كون الغيب باقيا على المصدرية، والباء بمعنى مع تتعلق بمحذوف حال، أى يؤمنون ملتبسين بالغيب، أى بالغيبة والخفاء، أو بمعنى فى تتعلق بيؤمنون، والمعنى على هذين الوجهين أنهم يؤمنون حال غيبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، كما يؤمنون حال حضورهم، لا كالمنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، ويجوز على الوجهين كون الغيبة عما يؤمن به، بفتح الميم، قال ابن مسعود رضى الله عنه والذى لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ هذه الآية، رواه الحاكم وصححه، ويجوز كون أراد بالغيب الخفاء كما ذكر، والباء بمعنى فى كما ذكر، لكن المعنى يؤمنون فى قلوبهم لا فى ألسنتهم فقط، وهو بمعنى الغائب الذى هو القلب، أى يؤمنون بالقلب لا باللسان فقط، لكن يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم، فالباء للآلة، ويبعد أن تجعل الهمزة للتعدية والباء للسببية، أى يؤمن نفسه من عذاب الله بسبب الغيب، إذ صدق به وتفسير الغيب على العموم السابق هو ما ظهر لى، وبه قال ابن عباس وقيل الغيب الله تعالى، وقيل القرآن، وقيل الآخرة، وقيل الوحى، وقيل القدر، ويحتمل أن يريد أصحاب هذه الأقوال التمثيل، والقول بالقرآن صادق بالعموم، لاشتماله على جميع ما يؤمن به. { ويقيمون الصلاة } يأتون بالصلوات الخمس قائمة معتدلة، راغبين فيها كالإنسان الحسن الصورة المنتصب المعتدل، بأن تكون بطهارة وخشوع وإتمام وفى وقتها لا قبل ولا بعد، ولا فى وقتها الضرورى، ولا يأتون بها معوجة كالإنسان المعوج المنتكس، بأن تكون بلا طهر، أو بلا خشوع، أو بنقر أو التفات، أو فى غير وقتها، أو بتهاون بها، سواء صليت فى وقتها أو فى وسطه أو فى الجزء الضرورى منه، فإنما الحقيق بالمدح والثواب من يأتى بها قائمة معتدلة كما وصفت، لأنه هو الذى أتى بحدودها الظاهرة والباطنة.
فهو المخلص، وإنما يقبل من الأعمال ما كان مخلصا ومن يرائى بها لم يصدق عليه أنه خاشع، فهو غير مخلص، وكذا من كدرها بنو تهاون أو التفات أو عدم الطهر، فيكون قد شبهت الصلاة المحافظ عليها بإنسان منتصب القامة معتدلا حسنا مرغوبا فيه، قال الله تعالى
ولقد كرمنا بنى آدم
لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم
ناپیژندل شوی مخ