واختلف فى حروف المد واللين هل هن من الرخوة؟ ومن تلك الأربعة عشر حرفان من حروف الإطباق الصاد والطاء، وبقى من حروفه الظاء والضاد، وحرف الإطباق هو ما ينطبق ما يحاذى اللسان من الحنك عليه عند خروجه، ومن تلك الأربعة عشر نصف الحروف المنفتحة الألف واللام والميم والراء، والكاف والهاء، والعين والسين، والحاء والقاف، والباء والنون، وقيل لا تعد الألف من الحروف، ومن تلك الأربعة عشر حرفان من حروف القلقلة القاف والطاء، وحروفها أربعة القاف والطاء والدال والباء الموحدة والجيم، يجمعهن قد طبج بالكسر أى فرج، وهى حروف تضطرب عند خروجها، لأنها مجهورة شديدة، فالجهر يمنع النفس عن الجريان معها، والشدة يمنع جريان صوتها، فلاجتماع الوصفين فيها اضطربت واحتاجت إلى التكلف فى بيانها، ومن تلك الأربعة عشر حرفان من حروف اللين الثلاثية الياء والألف، إذا عددنا الألف حرفا، من لم يذكره هنا فلأنه عنده غير حرف، أو لأنه ولو كان حرفا لكنه إما عن باء أو عن واو هنا، والثلاثة من حروف اللين الواو، وسمين بذلك لأنهن يخرجن فى لين بلا تكلف على اللسان لاتساع مخرجها الموجب لانتشار الصوت وامتداده، وإنما لم يذكر فى الأربعة عشر إلا الياء والألف، لأن الياء أقل ثقلا من الواو، وأما الألف فخفيفة، ولم يذكر من القلقلة إلا القاف والطاء. لأن القلقلة قليلة بالنسبة إلى ما يتركب منها لقلتها فى نفسها، ومن تلك الأربعة عشر النصف الأقل من حروف الاستعلاء، وذلك النصف القاف والصاد والطاء ومجموعها سبعة، الثلاثة الخاء والغين والظاء المعجمات بالنقض، وسمين بذلك، وبالحروف المستعلية لتصعد الصوت بها فى الحنك الأعلى، ومن تلك الأربعة عشر نصف البواقى المنخفضة، وهى التى يتسفل الصوت بها فى الحنك الأسفل، ومجموعها اثنان وعشرون، ومن تلك الأربعة عشر ستة من حروف الإبدال الألف والهاء والطاء والميم والياء والنون، يجمعهن اهطعين، وهما جبلان من الهضم وهو الكسر كالهضم، ويجمع حروف الإبدال اجد طويت، منها وهدات موطيا عند سيبوية، واختاره ابن جنى، وزاد بعضهم حروف الإبدال اللام نحو أصيلال، فلامه الأخيره بدل من نون أصيلان تصغير أصلان جمع أصيل، والصاد والزاى نحو صراط وزراط، فإنها بدل من السين، والفاء نحو جدف فإنها عن ثاء مثلثه، والجدث التبر ونحو فم أصله ثم، وهى حرف عطف والعين نحو أعجبنى عن نفعل، وأشهد عن محمدا رسول الله، الأصل أن تفعل وأن محمدا، أبدلت الهمزة عينا وتسمى عنعنة تميم، والثاء نحو ثروغ الدلو، والأصل فروغ أبدلت الفاء ثاء مثلثه، والفروغ جمع فرغ وهو مخرج الماء من الدلو من بين العراقى، والباء نحو بكة أى مكة، ونحو بااسمك بفتح الباء وضم الميم، الأصل ما اسمك وهى لغة مازن، فيكون حروف الإبدال ثمانية عشر فى الأربعة عشر منها تسعة الستة المجموعة فى اهطمين، وثلاثة أخرى اللام والصاد والعين، ومن تلك الأربعة عشر النصف الأقل مما يدغم فى مثله ولا يدغم فى المقارب، ومجموع ذلك الهاء والهمزة، والعين والصاد، والطاء والميم، والباء والخاء، والعين والضاد، والظاء، والشين، والزاى والواو، والفاء.
كذا قال القاضى واعترضه زكرياء بأن فى عده الضاد مما لا يدغم فى مقاربه نظر، أو أن فى القراءات السبع ما يخالفه، وكذا فى الميم والشين والفاء واعترض قوله النصف الأقل بأنه مبنى على عد الطاء والميم والشين والفاء مما يدغم فى مثله، ولا يدغم فى مقاربه وأن فيه نظرا، ومن تلك الأربعة عشر النصف الأكثر مما يدغم فى مثله ومقاربه ومجموعه الثلاثة عشر الباقية، وذلك الأكثر هو الحاء والقاف، والكاف والراء، والسين واللام، والنون، لما فى الإدغام من الخفة والفصاحة قاله القاصى، واعترض زكرياء قوله الثلاثة عشر الباقية، بأنه مبنى على عد الأربعة السابقة مما يدغم فى مثله ولا يدغم فى المقارب، قال وهو إن قرأ به فى السبع مخالف لزعمه فى آخر السورة إدغام الراء فى اللام لحن، وعليه فيقال نصفها الأقل ولا تعد الراء مما ذكر ولا يناسبه قوله لما فى الإدغام من الخفة والفصاحة. انتهى. وكتب على قوله والراء أنه الموافق لزعمه قال فى نسخة والزاى قال وهو وهم على قوله، واعترض قوله والفاء والسين بأنهما يدغمان فى مقاربهما كما يدغمان فى مثلهما، ومن تلك الأربعة عشر حرفان مما يدغم فيه مقاربه ولا يدغم فى مقاربه وهما الميم والراء، ومجموع ذلك أربعة هما والشين والفاء، من تلك الأربعة عشر ثلثا الحروف الحلقية والذلقية بإسكان اللام نسبة إلى ذلق اللسان، وهو طرفه ولم أقل ذلق اللسان والشفة، لأن اللسان هو العمدة فى خروج هذه الأحرف وإلا فالذلقية مخرجها طرف الشفتين، فإن ثلاثة منها شفهيتان الباء والفاء، والميم، والثلاثة الأخرى يقال لها ذلقية لا شفوية، وهى اللام والراء والنون، وذلك ستة يجمعها قولك رب منفل.
والحلقية الحاء والخاء والعين والغين والهاء والهمزة، وثلثا الحلقية والذلقية الراء واللام، والميم والنون، والهمزة والعين، والحاء، وإنما كان منها ثلثاهما الكثرة. وحرف الحلق والذلق فى الكلام، ومن الأربعة عشر سبعة حروف من الحروف التى تجوز زيادتها التى يجمعها قولك سألتمونيها، أو قولك أمان وتسهيل، أو قولك اليوم ننساه، والموجود منها فى الأربعة عشر الهمزة واللام، والميم والهاء، والياء والسين والنون، وفى ذلك تنبيه على أن أبنية الاسم المزيد فيه المركبة فى كلامهم لا تجاوز سبعة، وتلك الأربعة عشر أكثر ذكرا فى القرآن، وأيضا هى أن أنصاف أجناس الحروف وثلثاها، وباقى الحروف أنصاف وثلث فقط، على ما رأيت، وبعض تلك الأربعة عشر فى الفواتح مفردة وهى ص، ق، ن وبعضها ثنائية وهى طه، طس، يس، حم وبعضها ثلاثية وهى الم والر وطسم ورباعية وهى المص والمر وبعضها خماسية وهى كهيعص وحمعسق وفى ذلك تنبيه على أن منتهى الاسم المجرد عن الزوائد فى كلامهم خمسة أحرف، وأقله حرف، وأن المتحدى به مركب من كلماتهم التى أصولها كلمات مفردة ومركبة من حرفين فصاعدا إلى الخمسة، وذكر الثلاثة المفردة فى ثلاث صور، لأنها توجد فى الأقسام الثلاثة الاسم والفعل والحرف، وذكر أربع ثنائيات فى تسع سور، وذلك لأن الثنائى يكون حرفا بلا حذف كبل، وفى الفعل بحذف كقل، وفى الاسم بلا حذف كمن بفتح الميم، وبالحذف كأخ، وأول الثنائى مفتوح أو مكسور أو مضموم، وكل منهن فعل أو حرف أو اسم، فذلك تسعة من ضرب ثلاثة فى ثلاثة، فالاسم كمن وإذ وذو، والفعل كخف وبع وقل، والحرف كبل، ومن بكسر الميم، وهذا إذا جرت ما بعدها، وذكر ثلاث ثلاثيات، وهى الم والر وطسم لمجيئها فى الأقسام الثلاثة، الاسم والفعل والحرف فى ثلاث عشر سورة { الم } البقرة، و { الم } آل عمران، و { الم } العنكبوت، و { الم } الروم، و { الم } لقمان، و { الم } السجدة، و { الر } يونس، و { الر } هود، و { الر } يوسف، و { الر } إبراهيم، و { الر } الحجر، و { طسم } الشعراء، و { طسم } القصص، وفى ذلك تنبيه على أن أصول الأوزان المستعملة ثلاثة عشر، للأسماء عشرة وللأفعال ثلاثة، وذكر رباعيين وخماسيين تنبيها على أن لكل منها أصلا كجعفر وسفرجل، وملحقا كقردد وهو المكان الغليظ المرتفع، وجحنفل بجيم فحاء مهملة فنون ففاء فلام، وهو الغليظ الشفة، وتقدمت علة تفريقها فى السور وعدم جمعها فى أول القرآن، ويجوز أن تكون قد فرقت للفائدة المذكورة فى كل قسم من المفردة والثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية، ولا يقال ما ذكر من أوصاف الحروف وأقسام الأبنية، والكلمات وأحوالها اصطلاحات مستحدثة، فكيف يقال إنها مقصودة بالقرآن، لأنا نقول الاصطلاحات الأسامى لا المعانى المرادة بها وهى المقصودة، ولأن ما ذكرناه مناسبات يمكن أن تقصد بالقرآن والله أعلم.
ثم إن جعلت تلك الفواتح أبعاض كلمات أو أصواتا منزلة منزلة حرف التنبيه لم يكن لها محل من الإعراب، كالجمل المبدأة، والمفردات المعددة، وكذا قيل لامحل لها إذا قلنا لا يعلم معانيها إلا الله، وهو مشكل، لأنه يحتمل أن يكون معناها بحيث يكون لها محل، ولأنه يحتمل أن يكون المعنى أقل { الم } أو هذه { الم } مع تسليم عدم المعرفة بمعناه، فتكون معرفة، وإن جعلتها أسماء الله تعالى أو القرآن أو السورة فهى خبر أو مبتدأ أو مجرورة بحرف قسم مقدر أو منصوبة على نزعة، وجملة قولك ألف لام المشار إليها هذا المكتوب { الم } اسم واحد، إذا جعلناها اسما لله تعالى أو القرآن أو السورة. قال القاضى ويتأتى الإعراب لفظا والحكاية فيما إذا كانت مفردة أو موازنة لمفرد كحم فإنه يقرأ بوزن هابيل، وتجب الحكاية فيما عدا ذلك، وأن بقيتها مع معانيها، فإن قدرت بالمؤلف من هذه احروف كانت مبتدأ أو خبرا، والمراد بالحكاية الإسكان، لأن السكون هو حال الكلمة قبل إدخال العامل عليها، ولا يعد فى جواز الحكاية والإظهار إذا وردا جميعا عن السلف فى ذلك، أو لم يتقين الوارد، أو لم يعلم، وإلا فالقرآن لا يغير عن وضعه والوقف على الفواتح وقف تام، إذا قدرت بحيث لا يحتاج إلى ما بعدها وليس شىء منها آية عند غير الكوفيين، وأما الكوفيون فالم عندهم آية وكذا { المص } و { كهيعص } و { طه } و { طسم } و { يس } و { حم } وفى { حمعيسق } آيتان { حم } آية و { عيسق } آية، والبواقى ليست بآيات، وظاهر كلام المرشد وهو اسم كتاب أن الفواتح كلها آيات عندهم، وذلك توقيف لا قياس ، فلا يحتاج إلى توجيه أو حجة أخرى غير التوفيق، ومن كتب { الم } إلى
وأولئك هم المفلحون
يوم الخميس أول النهار فى إناء جديد بزعفران، ومحاها بماء بير عذب، وشربها وأمسك عن الطعام ذلك اليوم، يفعل ذلك ثلاثة مرات، حمد الله تعالى على عاقبته وزاد حفظه، وثبت العلم فى قلبه وكان له يقين، وكان عونا. على الطاعة والمعرفة. والله أعلم.
[2.2]
{ ذلك الكتاب لا ريب فيه } اسم الإشارة مبتدأ و { الكتاب } نعته أو بدله أو عطف بيان له، وجملة { لا ريب فيه } من لا واسمها وخبرها خبر المبتدأ، او اسم الإشارة مبتدأ خبره { الكتاب } وجملة { لا ريب فيه } خبر ثان أو حال من الكتاب أو مستأنفة، أو اسم الإشارة مبتدأ خبره { هدى } و { الكتاب } نعت أو بيان أو بدل، وجملة { لا ريب فيه } معترضة أو { الكتاب } خبر و { هدى } خبر ثان والجملة بينهما معترضة أو الكتاب خبر والجملة خبر ثان وهدى خبر ثالث، أو هدى حال من الهاء أو من الكتاب إذا جعلنا الكتاب خبرا وهدى خبر لمحذوف، أى هو هدى، أو هدى خبر لمحذوف { لا ريب فيه هدى للمتقين } فحذف فيه الثانى لدلالة الأول أو فيه خبر لهدى، وحذف خبر لا أى لا ريب فيه، فحذف فيه الأول لدلالة فيه الثانى كما قال بعد أوقف على لا ريب فيه، قال ابن هشام يدل على خلاف ذلك قوله تعالى فى سورة السجدة
الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين
والجملة بعد { الم } جواب { الم } إن جعل قسما، وإن جعل اسما للقرآن أو السورة فمبتدأ خبره ذلك، أو خبر لمحذوف، وذلك خبر ثان أو بدل، وكذا الأعاريب بأوجهه إذا جعلنا { الم } بمعنى المؤلف من الحروف، وإنما صح الإخبار عنه على هذا مع أنه أعم بذلك الكتاب، مع أنه أخص، لأن المراد الكامل فى تأليفه البالغ غاية الفصاحة والبلاغة هو ذلك الكتاب، وإنما صح الإخبار بهدى عن القرآن وإتيانه حالا مع أنه مصدر لتأويله بالوصف، أى هاد أو تقدير مضاف، أى ذو هدى أو ذا هدى، أو للمبالغة، وإذا جعلنا خبر لا محذوفا وفيه نعت اسمها، فالوقف على فيه كما إذا جعل خبرا للا، وإذا جعلنا خبر لا محذوفا، وفيه خبر لهدى، والوقف على لا ريب، والإشارة عائدة إلى الم أن أول بالمؤلف من هذه الحروف الألف واللام والميم، وليس المراد خصوص الأحرف الثلاثة، بل هن وسائر حروف أب ت ث، وذلك كما تقول علمته أ ب ت ث، وتريد الحروف كلها، أى ذلك الكلام المؤلف من حروف التهجى، وهو القرآن كله، أو الإشارة عائدة إلى الم مفسرا بالقرآن أو مفسرا بالسورة سورة البقرة، وإنما صح على هذا الوجه كون السورة كتابا لأنها جزء الكتاب الذى هو القرآن، فعبر باسم الكل واسمه هو لفظ الكتاب عن البعض، وهو هذه السورة لمزيد اختصاص، وهو طولها وكثرة الأحكام فيها، أو صح كونها كتابا تأكيدا وتعظيما كأنها القرآن كله أو صح باعتبار المعنى اللغوى وهو المجموع والسورة مركبة من حروف وكلمات، وجمل وآيات، وأحكام وقصص، ووعد ووعيد، وأمر ونهى، وإنما أشار إلى السورة والقرآن أو المؤلف من الحروف وهو القرآن أيضا بإشارة البعيد، مع أن كل واحد من الثلاثة حاضر لعلو شأن كل من الثلاثة، حتى كأنه مرتفع فى الجو ارتفاعا حسيا.
ناپیژندل شوی مخ