والأصل أن يقول كأنها أى الخطوط أو كأنهما أى السواد والبلق، ومعنى التوليع اختلاف الألوان، ومعنى البهق بياض وسواد فى الجلد، وذلك لأن تثنية الضمير والإشارة والموصول وجمعهن وتأنيثهن ليست على الحقيقة، قال أبو عبيدة قلت لرؤبة إن أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال أردت كأنه ذلك ويلك. { بأنهم } بسبب أنهم. { كانوا يكفرون بآيات الله } المعجزات التى أنزلها على موسى كفلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر فبعضهم لم يؤمن بها وبعضهم لم يشكرها، وكل من ذلك كفر الأول شرك والثانى فسق ونفاق، ويحتمل أن يكون المراد بآيات الله التوراة وذلك كله كلام شأن إسلام اليهود الذين فى زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهم أصحاب التيه ومن يليهم شنع بهم على الذين فى زمانه، لأنهم على طريقهم فى الكفر ولا يشكل على هذا وصفهم بقتل الأنبياء، فإنهم قتلوا الأنبياء قبل موسى كما قتلوهم بعده، وهو سبب تسليط فرعون عليهم، ويجوز أن يكون المراد بآيات الله التوراة والزبور والإنجيل، على أن المراد بالهاء فى قوله { وضربت عليهم } اليهود السالفة الفاعلة لذلك مطلقا ولا يجوز أن يكون المراد اليهود السالفة والذين في زمانه صلى الله عليه وسلم، وأن يكون المراد بآيات الله القرآن، ونعت محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة وآية الرجم والتوراة والإنجيل، لأن من فى زمانه لم يقتلوا الأنبياء، اللهم إلا أن يقال وصفهم بقتل الأنبياء، لأنهم على طريقة سلفهم القاتلين لهم فى الكفر والعناد، كما امتن عليهم بما أنعم على أسلافهم. { ويقتلون } وقرأ على ويقتلون بتشديد التاء. { النبيين } بالهمز عند نافع، وقرأ الباقون بياء مشددة بلا همز، وبعدها ياء الجمع وترك قالون الجمع فى النبئ إن أراد النبى وبيوت النبى إلا أن فقط فى الأصل بلا تشديد وذلك على أصله فى الهمزتين المكسورتين بحذف أولاهما. { بغير الحق } بغير حق من الله ولا عندهم إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم، ولو اعتقادا فاسدا، وإنما قتلوهم ركونا إلى الدنيا وحبا لها واتباعا للهوى، إذ خالف الحق الذين يأتون به أهواهم وحسدا ولم يفعل نبى قط ما يبيح قتله، وإنما سلط الله عليهم الجبابرة بالقتل كرامة لهم وزيادة فى منازلهم فيجمعوا يبن النبوة والشهادة كما يقتل المؤمنون من هذه الأمة وغيرها فى الجهاد.
روى أنهم قتلوا شعياء وزكريا ويحيى وغيرهم، ويروى أنهم قتلوا سبعين نبيا فى أول النهار وقاموا إلى سوق البقل فى آخره، ولا ينافى قتل الأنبياء إخبار الله تعالى بأنه ناصر لرسله لأن الرسول أخص من النبى، ولأن النصر بإظهار الحجج وإفحام الكفرة لا بالعصمة من القتل، بل قتلهم هو نفس النصر إذا فحموا كل الإفحام حتى إنهم لم يجدوا ما يستترون به إلا القتل، ولأن العبرة بالغالب وغالب الأنبياء والرسل غير مقتولين، ولأن المخبر بأنهم مقتولون غير الذين يقال إنهم لم يقتلوا ولا محل للمنافاة. { ذلك } المذكور من الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء. { بما عصوا } الباء سببية وما مصدرية، أى بسبب عصيانهم. { وكانوا يعتدون } وبسبب كونهم يعتدون أى يبالغون فى المعاصى، وذلك أن صغار الذنوب تجر كبارها، وكذلك كبارها تجر أكابرها، والذنب مطلقا يجر مثله وما دونه وما فوقه، لأن الذنب يطفئ من نور العقل فبقدر ما يطفئ منه يتعامى صاحبه، فيقع فى الكبير والصغير كالأعمش يقع فى الحفرة والبئر، وذلك عكس الطاعات، وإنما فسرت الاعتداء بالمبالغة فى المعاصى، لأنه فى اللغة مجاوزة الحد والله عز وجل قد حذرنا عن الصغير والكبير والأكبر، فالصغير والكبير داخلان فى عصوا، والأكبر داخل فى يعتدون، وكانوا يعتدون معطوف على عصوا، ولك أن تقول الاعتداء هنا أيضا مطلق مجاوزة الحد، فيكون الوقوع فى الصغيرة اعتداء، فتدخل المعاصى الصغار والكبار والأكابر فى قوله { عصوا } فيبقى قوله { وكانوا يعتدون } توكيدا لقوله { عصوا } ويجوز كون الباء للمصاحبة، أى ذلك المذكور من الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء مع عصيانهم، وكونهم يعتدون، ويجوز على الوجهين فى الباء أن تكون إشارة إلى المذكور من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب، ويجوز على الوجهين فى الباء والإشارة أن يكون المراد بالاعتداء اعتداءهم فى السبت.
[2.62]
{ إن الذين آمنوا } أى قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته صلى الله عليه وسلم وهذا على عمومه من غير اعتبار موافقة القلب، ولا عدمها ولا الوفاء بالعمل الصالح ولا عدمه، وإنما اشترط موافقة القلب والعمل الصالح بعد ذلك بقوله { من آمن.. } إلخ. { والذين هادوا } قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وبعدها، وهذا على عمومه من غير اعتبار الإيمان به صلى الله عليه وسلم وبعيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام، ولا عدم الإيمان ولا العمل الصالح ولا عدمه، وكذا فى الصابئين والنصارى، وإنما اشترط الإيمان بهم جميعا والعمل الصالح بعد ذلك بقوله من آمن.. إلخ. { والذين هادوا } هم اليهود، ومعنى هادوا كانوا على دين اليهود، وزعم قوم أن الحكم فى هذه الآية نفى الخوف والحزن عمن آمن من اليهود والنصارى والصابئين منسوخ بقوله تعالى
ومن يبتغ غير الإسلام دينا
على أن المراد بهم من يتبع أحكام التوراة والإنجيل المخالفة للقرآن، ويجوز أن يكون النسخ لكل مخالف بما خالفه من القرآن على حدة، ولفظ اليهود إما عربى من هاد يهود إذا تاب سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل، أو لقولهم حينئذ { إنا هدنا إليك } أى تبنا إليك، وقيل إنما قال { إنما هدنا إليك } أى تبنا، وقيل إنما قال { إنا هدنا إليك } موسى، فسموا بذلك لقوله، قال ابن مسعود رضى الله عنه سموا بذلك لقول موسى { إنا هدنا إليك } وقيل سموا بذلك لأنهم مالوا عن دين موسى بعده، وفى زمانه إذ بدلوا وغيروا، وقيل لأنهم مالوا عن دينه ودين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويرد هذا القول أن تسميتهم باليهود سابقة قبل زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يحتمل تفسيرا لقوله هادوا أى والذين مالوا عنهما على غير ما ذكرت من المراد بالذين هادوا العموم، وإما غير عربى بل معرب يهوذا بإسقاط ألفه وإهمال ذاله وتسميتهم به، وهو أكبر أولاد يعقوب عليه السلام كما تسمى القبائل باسم أبيها كمضر وكنانة وتميم. { والنصارى } جمع نصران مثل قولهم فى جمع ندمان ندامى والياء فى نصرانى للمبالغة المزيدة على المبالغة فى نصران، فإن فى نصران مبالغة زيدت عليه ياء النسب لزيادة المبالغة، كما زيدت فى أحمر لنضيل اسم المبالغة فقيل أحمرى، وكما زيدت بزيادة المبالغة فى قوله
والدهر بالإنسان دوارى
وسموا نصارى لأنهم نصروا المسيح عليه السلام، أو لقول الحواريين منهم نحن أنصار الله أو لكونهم معه فى قرية يقال لها نصران، فسمى كل واحد باسمها وهو نصران، وما الياء فى نصرانى إلا مزيدة على نصران، وجمع بعد التسمية على نصارى، أو يقال لتلك القرية ناصرة فأخذ لهم اسم من مادة هذا الاسم، ولو اختلف الوزن، وفى الصحاح نصران قرية بالشام وينسب إليها النصارى.
. انتهى. وإنما نسبوا إليها لأن المسيح كان ينزلها، ويقال رجل نصران وامرأة نصرانة ونصرانى ونصرانية، قال قائل
نصرانة لم تحنف
ناپیژندل شوی مخ