كأن خيولنا كانت قديما تسقى فى قحوفهم الحليبا فمرت غير نافرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا
القحف عظم الدماغ أى كأنها ألفتهم بأن كانت تسقى الحليب فى عظام دماغهم فمرت على رءوسهم وصدورهم غير نافزة. { البحر } بحر القلزم فرقة عرضا وقيل مقدار من الطول، فيكون كل طريق على هذا إلى جهة البحر أطول مما يليه إلى جهة البر، والمشهور الأول. واختار بعضهم الثانى، وقال إن ذلك الفرق يقرب موضع النجاة، ولا يلحق فى البر فى أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة. { فأنجيناكم } من فرعون وآله وقد تبعوكم، أو من الغرق. { وأغرقنا آل فرعون } حذف العاطف والمعطوف أى آل فرعون وفرعون، أو آل فرعون وإياه، وأجيز تقديم المعطوف عليه والعاطف، أى وأغرقنا فرعون وآل فرعون، وأجيز الوجهان فى قولهم راكب الناقة طليحان، أى راكب الناقة والناقة متعبان، أو راكب الناقة وهى متعبان، أو الناقة وراكب الناقة متعبان، وإنما اقتصر فى الذكر على آل فرعون، لأن فرعون أولى بالإغراق، وقيل آل فرعون بمعنى شخص فرعون كما ورد فى الحديث
" أوتى مزمارا من مزامير آل داود "
فإن المراد داود نفسه، وكان الحسن يقول اللهم صلى على آل محمد، أى على شخص محمد فاستغنى فى ذلك بذكر المتبوع عن ذكر أتباعه، أى شخص فرعون وقومه أو قوم فرعون وشخص فرعون. { وأنتم تنظرون } ما ذكر من إنجائكم وإغراق آل فرعون لا تشكون، والجملة حال أو تنظرون إطباق البحر عليهم، أو فرق البحر طرقا يابسة مذللة أو طرق البحر أو أجسام آل فرعون ولباسهم التى طفت على الماء وقذفها البحر إلى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضا، أو تنظرون إلى هلاكهم أو مصرعهم أو إلى الطرق أو أجسامهم ولباسهم، وقيل تنظرون ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا فى شغل، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى أن يسرى ببنى إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلى والمتاع من المصريين وأحل الله ذلك لبنى إسرائيل.
ويروى أنهم فعلوا ذلك دون رأى موسى وهو أليق به. قيل استعاروها برسم عرس لهم ولا عرس، وقيل استعاروها لعرس حقيقى، وبقيت فى أيديهم حتى غرق فرعون وقومه، ويروى أن موسى عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى سينجيكم من آل فرعون، وتنفعكم حليهم، ويؤيد القول بأنهم استعاروه بلا إذن منه، قولهم ولكن حملنا أوزارا من زينة القوم. فظاهره أنهم أخبروه بما لم يعلم فسرى بهم من أول الليل، فعلم بهم فرعون فقال لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة الليلة، فلم تصح بمصر ديكة فى تلك الليلة حتى أصبح، وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فاشتغلوا بالدفن وخرجوا فى الاتباع مشرقين، وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه، وكانت عدة بنى إسرائيل نيفا وستمائة ألف، وعدة فرعون ألف ألف ومائتى ألف، فلما رأى قوم موسى قوم فرعون على بعد، ظن قوم موسى أنهم غير ناجين، وقال يوشع بن نون لموسى أين أمرت؟ فقال هكذا وأشار إلى البحر فركض يوشع فرسه حتى بلغ الغمر، ثم رجع فقال لموسى أين أمرت فوالله ما كذبت ولا كذبت، فأشار إلى البحر وقد أوحى الله إلى البحر أن انفلق لموسى إذا ضربك، فبات الليل يضطرب، وأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر وكنه أبا خالد، فضربه. وقال انفلق أبا خالد، فانفلق عن اثنتى عشرة طريقا، فلما دخلوها قالت كل طائفة غرق أصحابنا وجزعوا فقال موسى عليه الصلاة والسلام. اللهم أعنى على أخلاقهم السيئة. فأوحى الله تعالى إليه أن أدر عصاك فى البحر، فأدارها فصار فى الماء فتوح كالطاق يرى بعضهم بعضا، وجبريل من وراء بنى إسرائيل يحثهم ويقول لقوم فرعون مهلا حتى يلحق آخركم أولكم. ورى أن فرس فرعون أبى الدخول فتعرض له ميكائيل بفرس أنثى فشم رائحتها فتبعها، فلما خرج بنو إسرائيل وتكامل قوم فرعون فى البحر، انطبق عليهم، ويروى أن موسى عليه السلام لما أمره الله تعالى أن يسرى ببنى إسرائيل فى الليل، أمر قومه أن يسرجوا فى بيوتهم السرج إلى الصبح، وأن يستعيروا حلى القبط لتبقى لهم أو يتبعوهم لأجل المال، وأخرج الله كل ولد زنى كان فى أهل مصر من بنى إسرائيل إلى بنى إسرائيل، وكل ولد زنى كان فى بنى إسرائيل إلى أهل مصر حتى يرجع كل ولد إلى أبيه، وألقى الله الموت على المصريين فمات كل بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم، وأن بنى إسرائيل ستمائة ألف وعشرين ألفا لا يعدون ابن عشرين سنة لصغره، ولا ابن ستين لكبره. وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنسانا ما بين رجل وامرأة، فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون، فدعا موسى مشيخة بنى إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا إن يوسف لما حضره الموت أخذ على إخوته عهدا ألا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم، فلذلك انسد علينا الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموه، فقام موسى ينادى أناشد الله من يعلم أين قبر يوسف أن يخبرنى به ومن لم يعلم صمت أذناه عن سماع قولى، فكان يمر بالرجل وهو ينادى فلا يسمع صوته حتى سمعت عجوز منهم فقالت أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطينى كل ما أسألك؟ فأبى وقال حتى أسأل ربى، فأمره أن يعطيها سؤالها فقال إنى عجوز لا أستطيع المشى فاحملنى معك.
وأخرجنى من مصر، هذا فى الدنيا. وأما فى الآخرة فاسأل ألا تنزل غرفة من غرف الجنة إلا نزلتها معك؟ قال نعم. قالت إنه فى النيل فى حرف الماء فادعو الله أن يحصر عنه الماء، فدعى الله أن يؤخر عنه طلوع الفجر حتى يفرغ من أمر يوسف، ثم حضر موسى ذلك الموضع ودعى أن يحصر عنه الماء فاستخرجه وهو فى صندوق من مرمر، وحمله ليدفنه بالشام، ففتح لهم الطريق. وقيل قصة استخراج يوسف إنما هى بعد إغراق فرعون ورجوع بنى إسرائيل إلى مصر ليأخذوا ما فيها، وقيل لم يرجعوا إليها ولكن ضرب عليم التيه عن الشام حتى استخرج يوسف، وكان موسى فى ساقة بنى إسرائيل وهارون فى مقدمتهم، ويروى أن فرعون تبعهم فى ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الخيل ، وقيل كان معهم مائة ألف حصان أدهم، وكان فرعون فى الدهم فى ساقتهم، وهامان على مقدمتهم، قيل وكان فرعون فى سبعة آلاف، وكان بين يديه مائة ألف نشاب ومائة ألف حراب، ومائة ألف معهم الأعمدة، وسار بنو إسرائيل حتى وصلوا البحر، والماء فى غاية الزيادة، ونظروا حين أشرقت الشمس فإذا هم بفرعون وجنوده فتحيروا وقالوا يا موسى أين ما وعدتنا فكيف نصنع؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا، والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فلم يطعه، فأوحى الله إليه كنه فضربه فقال انفلق يا أبا خالد، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، حتى وصلت، الشمس قعر البحر، وأرسل الله عز وجل الريح عليه فصار يبسا بالشمس والريح، فخاف كل سبط فى طريقه فى البحر أن يكون إخوانهم قد هلكوا، فأوحى الله إلى جبال الماء بين كل طريقين أن يصير كالشباك، فصاروا يرون بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض. ويروى أن فرعون لما وصل البحر رآه منفلقا فقال لقومه انظروا للبحر كيف انفلق من هيبتى حتى أدرك عبيدى الذين آبقوا منى، ادخلوا البحر، فهابوا دخوله. وقيل قالوا له إن كنت ربا فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن فى خيل فرعون فرس أنثى، فجاء جبريل عليه السلام على فرس أنثى رديفه فتقدمه، وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون أنثى اقتحم البحر فى أثرها، ولم يملك فرعون من أمره شيئا، واقتحموا كلهم وجاء ميكائيل خلفهم على فرس يقول الحقوا بأصحابكم حتى صاروا كلهم فى البحر، وخرج جبريل من البحر وهم أولهم بالخروج، ودخل آخرهم وخلفه ميكائيل فى البر، فانضم عليهم البحر ووافق ذلك يوم عاشوراء، فصامه موسى شكرا لله، وقد نوى الصوم لله شكرا فأصبح صائما.
وروى أن بنى إسرائيل قالوا فى البحر أين إخواننا؟ وخافوا أن يكونوا قد هلكوا، فقال لهم موسى سيروا إنهم على طريق مثل طريقكم، فقالوا لا نرضى حتى نراهم، كأنهم هموا بالرجوع من حيث دخلوا، فأوحى الله إليه أن يفعل بعصاه كذا ففعل، فصارت بينهم طاقات فنظروا وسمع بعضهم بعضا. ومن نظر اعتبر ما بين هذه الأمة وبنى إسرائيل، رأوا هذه المعجزة العظيمة، وقالوا لا نرضى حتى نرى إخواننا، ولما خرجوا منه وأغرق عدوهم أرادوا صنما يعبدونه، وشافهوا به نبى الله أن يجعله لهم وهو من أبعد خلق الله عنه. وغاب عنهم فى المواعدة وعبدوا العجل، ثم قال من اختار منهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فهم بمعزل فى الفطنة والدعاء وسلامة النفس وحسن الاتباع، عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن معجزات موسى أشياء محسوسة تلجئ إلى الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، وتصديق موسى، خصوصا فرق البحر وهو من أعظم نعم الله تعالى عليهم، بخلاف معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أكثرها دقيق نظرى يدركه الأذكياء كالتحدى بالقرآن والفضائل المجتمعة فيه، فأدركوا وآمنوا ولم يطلبوا أكثر ولم يرتدوا، وقد مشى أمير صحابى على البحر من فوق سطح الماء هو وعسكره ولم يجد ذلك فى قلب العسكر شبهة أو شكا ينفيه، وما ازدادوا بها إلا شكرا وإيمانا بعد إيمان راسخ. ومن معجزاته إخباره بمعجزات موسى. قال الطبرى وفى إخبار القرآن على لسان النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المغيبات التى لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا فى خفى علم بنى إسرائيل دليل واضح عند بنى إسرائيل، قائم عليهم بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
[2.51]
{ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } وعدناه ووعدنا، ولذلك قال واعدنا بالألف، وذلك أن الله وعده الوحى والتوراة والمناجاة، وموسى وعد الله المجئ للميقات إلى الطور، وقرأ أبو عمرو وعدنا بدون ألف، وقرأ باقى السبعة وخلف بالألف، وكذلك فى قوله { واعدناكم } وقد مر، وقيل لم يعيدوا إليها. وعلا كل حال فى تفسير له لم يكمل لم يصرح أحد من المؤرخين إياها ولم يردهم إليها، وجعل مساكنهم الشام وذلك وعده الله أن يعطيه التوراه، وجعل له أجلا هو أربعون يوما ذو القعدة من العام الآخر، وعشرة أيام من ذى الحجة، وعبر بالليالى عن الأيام، لأن الليلة هى أول الشهر العربى، وهو بحساب سير القمر، ولأن الظلمة أسبق من الضوء، ولأن الليل سابق للنهار، وأربعين ظرف على حذف مضاف، أى تمام أربعين، أى ضمنا له أن نوقع الموعود فى تمامها. ويأتى كلام فى الأعراف إن شاء الله فبتضمين المواعدة معنى الإيقاع صح كون أربعين ظرفا لواعدنا، وإلا فالمواعدة وقعت قبل الأربعين لا فى الأربعين، فلا يصح التعليق به إلا بذلك التضمين، وليس مفعولا به لواعدنا، لأن الموعود به ليس نفس الأربعين، بل مفعول محذوف أى واعدنا موسى الوحى والتوراة والمناجاة، والمجئ للميقات وبعض ذلك من موسى وأقرب من ذلك جعله ظرفا لمفعول محذوف، أى واعدناه الملاقاة تمام الأربعين، أو واعدناه الوحى، وإنزال التوراة تمام الأربعين، وفى ذكر الليلة إلى أنه وصل الليل بالنهار فى الصوم، روى أنه صام أربعين يوما بلياليها. { ثم اتخذتم } افتعلتم من الأخذ أصله اتخذتم بهمزة وصل مكسورة، فهمزة قطع ساكنة هى فاء الكلمة بعدها تاء الافتعال، أبدلت الهمزة الثانية تاء وأدغمت فى تاء الافتعال والإبدال القياسى أن تبدل الهمزة واوا، ثم الواو تاء فيكون الإدغام، وقيل أصله أو اتخذ أبدلت الواو تاء وأدغمت وذلك على لغة من يقول وخذ، استغنى بها فى الافتعال من يقول أخذ، وقال الفارسى التاء الأولى أصل على لغة من يقول اتخذ قرأ { التخذت عليه أجرا } بالتخفيف استغنى بهذه اللغة فى الافتعال من يقول أخذ، ومفعول الثانى محذوف تقديره ثم اتخذتم. { العجل } إلها وهو ذكر البقر الصغير. { من بعده } أى من بعد موسى، وهو على حذف مضاف، أى بعد مضيه إلى الطور، ويجوز عود الضمير إلى مضيه ولو لم يتقدم له ذكر، لأن ذكر المواعدة تقتضيه ولا يصح تقدير المضاف مواعدة، أى من بعد مواعدته، ولا عود الضمير للوعد لأنه لا يزول بذلك تعارض بين مدلول ثم من التراخى عند المواعدة، ومدلول الابتداء به وهو وقوع البعدية عقب المواعدة، إذ المهملة واقعة بين المواعدة والاتخاذ، وبيان الغاية واقع عقب المضى إلى الطور فلم يتواردا على محل واحد.
{ وأنتم ظالمون } مائلون عن الصواب إذ عبدتم ما ليس أهلا للعبادة، أو ناقصو الحض لأنفسكم إذ تعرضتم لهلاكها بعبادته لما أنجى الله سبحانه وتعالى موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، ولم يكن لموسى وقومه كتاب ينتهون إليه. وعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة، فقال لقومه إنى ذاهب إلى ميقات ربى لآتيكم بكتاب فيه ما تأتون وما تذرون. ويروى أنه قال إن الله سينجيكم من آل فرعون وتنفعكم حليهم، وينزل عليكم كتابا. فلما أنجز الله وعده بانجائهم وأخذهم الحلى طلبوه بما وعدهم من الكتاب، فخرج لميقات ربه ووعدهم أربعين ليلة، واستخلف عليهم أخاه هارون، وجاء جبريل راكبا فرسا يقال له فرس الحياة، لا يصيب شيئا إلا حيى، فذهب للميقات فرآه السامرى وكان صائغا اسمه ميخا، وقال ابن عباس موسى بن ظفر، وكان من أهل كرمان، ولميل من بنى إسرائيل من قبيلة يقال لها السامرة، وكان مشركا فى الباطن وأظهر الإسلام وهو الصحيح. وقد قيل إنه ابن خال موسى، وكان من قوم يعبدون البقر، وكان يعجبه ذلك، وقيل لما مر بعد مجاورة البحر على قوم يعبدون البقر كما قال الله تعالى
ناپیژندل شوی مخ