اعبدوا ربكم
، وقوله { إياك نعبد } وقيل العبادة الفعل الذى يؤدى به الفرض لتعظيم الله تعالى، وتختص بالله سبحانه على التفسير الأول والثانى، لأنه مولى أعظم النعم، وهى إيجاد العبد من العدم إلى الوجود، ثم هدايته إلى دينه أعنى دلالته عليه، سواء أقبل أم أعرض، وأخر الاستعانة مع أنها مقدمة على الفعل للفاصلة، ولأنها ولو كانت مقدمة لكنها مستصحبة أيضا، فهى أيضا مع الفعل كالتوفيق والاستطاعة، ولأنها من العبادة فذكرها تخصيص بعد تعميم تعظيما لها، ولأن العبد يشرع فى العبادة ويستعين بالله تعالى على إتمامها، ولأنه إذا نسب العبادة إلى نفسه بقوله { إياك نعبد } أوهم تبجحا واعتدادا بما يصدر منه، فيؤديه إلى الفخر، أو يورثه ذلك رياء أو عجبا، لأنها منزلة عظيمة، فأزال ذلك بقوله { وإياك نستعين } لأن الاستعانة تدل على العجز وعدم الاستقلال، وتصرح بأن العبادة مما لا تتم إلا بعونه تعالى، ولأن تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة، وليعلم من الآية ذلك بإشارة، وذلك كله على أن الواو عاطفة، وأما على أنها للحال فلا إشكال، لأن المعنى نعبدك مستعينين بك، وهذا على قول بعضهم بجواز أن تقرن الجملة الحالية المضارعية المجردة من النفى، وقد والسين وسوف بواو الحال، وعلى المنع فليقدر المبتدأ، أى ونحن نستعينك، أو قد التحقيقية، وقد نستعينك، وإن قلت كيف تقدر قد مفصوله عن الفعل بإياك مع أنه قيل فصلها بغير القسم؟ قلت تقدر بعد إياك بناء على جواز تقديم معمول مدخولها عليها، بل لو منع هذا لم يضر هنا لأنها محذوفة فإنما تنوى على تأخير المفعول متصلا كأنه قيل وقد نستعينك والضمير المستتر فى تعبد، ونستعين للمتكلم ومن معه من الحفظة وحاضرى صلاة الجماعة او القراءة أو للمتكلم. وسائر الموحدين أدرج عبادته فى عبادتهم، واستعانته باستعانتهم، لعله يقبل عنه ذلك ببركتهم، ويجاب إليها، ولهذا شرعت الجماعة فى الصلاة، وكرر إياك للتنصيص على أنه المستعان لا غيره، وقرأ ابن حبيش بكسر نون نعبد ونستعين، وهى لغة تميم يكسرون حرف المضارعة فى الثلاثى والخماسى والسداسى المبنيات للفاعل غير الياء على ما ذكرته فى شرح اللامية. { اهدنا الصراط المستقيم } أى اعطناه وثبته فى قلوبنا ووفقنا إليه، أو بينه لنا، وذلك دعاء يصح ممن قد هدى، فيكون بمعنى طلب التثبيت والزيادة مطلقا،أو طلب المراتب المرتبة على ما حصل له من الهداية، ويصح ممن لم يكن على هداية فيكون تحصيلا للثبوت والزيادة، ولا يلزم من ذلك جميع بين الحقيقة والمجاز، أو بين معنين، لأن المراد المعنى الموجود فى جنب كل من الوجهين وهو طلب الكون على الصراط المستقيم بقطع النظر عن كون ذلك الكون طبقا للتثبيت على ما وجد، أو طلبا لوجود ما لم يوجد.
هذا ما ظهر لى فى تفسير الآية، قيل ويأتى الهدى بمعنى الدعاء كقوله تعالى
ولكل قوم هاد
أى داع، وقوله تعالى
وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم
وبمعنى الإلهام كقوله تعالى
أعطى كل شىء خلقه ثم هدى
أى ألهم الحيوانات إلى منافعها، وبمعنى البيان كقوله تعالى
وأما ثمود فهديناهم
ناپیژندل شوی مخ