أفضل مما حكى عن موسى عليه السلام
إن معى ربى سيهدين
إذ قدم فى الأول ذكر الله على المعية، وقدم المعية فى الثانى وشمل الأول الهداية وغيرها، وظهر فيه حصول الهداية وغيرها فى الحال بظاهر العبارة، والثانى ليس فيه إلا الهداية وطلب حصولها فى المستقبل كذا قيل، ويبحث فيه بأنه شامل لغير الهداية، وهى الحفظ، وأما الطلب فليس المراد أنه أفادته السين، بل أفادته عبارته بقرينة الحال، وما ذكرت من أن التقديم للحصر ولما ذكر هو الحق كما اشتهر فى علم البيان، وليس كما قال السبكى إن التقديم لا يدل على الحصر، وإنه إنما يدل على الاختصاص الذى تفيده لام الجر، ثم لا مانع عندى أن يراد أوجه الحصر كلها فى الآية وحيث أمكن حصر القلب وحصر التعيين وحصر الإفراد، وكأنه قيل نعبدك وحدك ونستعينك وحدك، مخالفين لمن جهل من يعبده ومن يستعينه وتردد، ولا نعبد غيرك ولا نستعينه، كما اقتصر بعض المشركين على عبادة غيرك واستعانته، وإيا ضمير منفصل مشترك بين المذكر والمفرد والمخاطب، وضد ذلك، فهو بالنظر إلى ذلك كالأسماء الظاهرة المشتركة كالعين والقرء فيما يظهر لى، واللواحق تميز المراد من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، وغيبة وخطاب وتكلم، ومن حروف، فالكاف المفتوحة تدل على أن المراد ما ليس مؤنثا، وأن المراد ما ليس غائبا ولا متكلما، وهو ما يسمى فى الجملة مخاطبا، ولو صرح بعض أصحابنا بأنه لا يقال خاطبت الله والواضح عندى الجواز لأنه ظاهر اللغة، ولا مانع لأن معنى خاطبته ناجيته، ولقوله تعالى
ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا
فإن مفهومه أنه يجوز لك يا نوح أن تخاطبنى فى غير الظالمين، وإذا جاز هذا جاز أن يقال خاطبته إلا أن يقال المعنى لا تكلمنى فى الذين ظلموا بما تسمونه فى كلامكم خطابا، والخطاب فى اللغة إلقاء الكلام إلى أحد ولو بصيغة الغيبة، فإذا قلت لك قام زيد فقد خاطبتك، وما يلحق الكاف يدل على التثنية والجمع، فالكاف حرف يدل على معنى فى الضمير قبله، وما يلحقها حرف يدل على معنى فى الحرف قبله وهو الكاف، والهاء كالكاف ولواحقها كلواحق الكاف، إلا أنها للغيبة، وقال الخليل إيا ضمير مضاف إضافة عام لخاص إلى ضمير بعده وهو الكاف أو الهاء إضافة تبينه لما حكاه عن العرب، إذ بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب بإضافة إيا إلى الشواب، ويرده أن هذا شاذ لا يعتمد عليه، وأنه لم نر ضميرا مضافا، وأنه لا إضافة عام لخاص لازمة، وأن الإضافة توجب الإعراب ولا ضمير مفرد، والمعنى إذا بلغ الستين فيلحذر التعرض للشابات وليحذرنه، فيتميز المنفصل من المتصل، وقيل الضمير هو المجموع، وقيل إيا اسم ظاهر معرب بالتقدير على الألف مضاف لما بعده إضافة عام لخاص لازمة، ويرده أنه لا إضافة عام لخاص لازمة وينسب هذا القول أيضا للخليل. وقرئ أياك بفتح الهمزة وهياك بقلبها هاء مكسورة ومفتوحة، وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وإذا تقرر أن الكاف للخطاب وقد صح أن الأسماء الظاهرة من قبيل الغيبة فتلك الأسماء هنا اسم، اسم الله ورب والرحمن والرحيم وملك، ظهر لك أن فى إياك نعبد التفات من الغيبة إلى الخطاب، ويكون الالتفات أيضا من الخطاب للغيبة، ومن المتكلم لأحدهما، ومن الالتفات عند السكاكى التعبير بواحد من ذلك، مع أن مقتضى الظاهر التعبير بغيره ولم يتقدم غيره، ومن الالتفات تعقيب الكلام بجملة مستقلة ملاقية له فى المعنى، على طريق المثل أو الدعاء أو نحوهما، كما فى قوله تعالى
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
وقوله
انصرفوا صرف الله قلوبهم
ونحو قصم الفقر ظهره، والفقر من مقصمات الظهر، وقول جرير
متى كان الخيام بذى طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام أتنسى يوم تصقل عارضيها بفرع بشامة سقى البشام
ناپیژندل شوی مخ