وحدَّثني بديع الزَّمان، قال: أنشدني كاتب بكر في مجلس قوله:
رقَّ الهَوَا وأصبحت السَّماء
وفي المجلس رجل من أصحاب اللغة، فقال له: لحنت، إذا قصرت الهواء وهو ممدد، فقال ارتجالًا:
لَحَنْت وقصَّرتَ حرفًا يُمَدُّ ... واللَّحنُ يقبُحُ في المجْمَعَهْ
فلا تعجَبَنْ فإنَّ اللّغا ... تِ كصدْعِ عَجوزكَ فيها سَعَهْ
وأعجَبُ من كلِّ قصرٍ يمدُّ ... عجوزٌ تُقامُ علَى أربَعَهْ
وأنشدني عدي الجرجاني لكاتب بكر:
لعَزَّةَ خُفٌّ مذْ ثلاثونَ حِجَّةً ... علَى الدَّهرِ لا يبلَى ولا يَتَخرَّقُ
وكيفَ بِلَى خُفّ هو الدَّهرُ كلُّه ... علَى قدميها في السَّماءِ مُغلَّقُ
وأنشدنا أبو طاهر البخاري:
مُحتَجِبٌ دونَ من ألمَّ بِهِ ... وليسَ للخَارجاتِ حُجَّابُ
لأنَّ للخارجاتِ منفَعَةً ... تأتيهِ والدَّاخلونَ طُلاَّبُ
وقال أبو أحمد بن أبي أُسامة:
أتيتُ ابنَ داودَ في حاجةٍ ... فطالَ الوقوفُ علَى بابِهِ
فلحيةُ بوَّابهِ في اسْتِهِ ... ولحيتُه في اسْتِ بوَّابِهِ
وقال آخر:
أتيتُكَ مُشتاقًا إليكَ مُسلِّمًا ... عليكَ وإنِّي باحتجابِكَ عالمُ
فقالَ ليَ البوَّابُ إنَّكَ نائمٌ ... وأنتَ إذا استيقظتَ أيضًا فنائمُ
وقال آخر:
اغسِلْ يديكَ بأشنانٍ ونقِّهما ... غَسْلَ الجَنابةِ من معروفِ عُثمانِ
واسلَحْ علَى كلِّ عُثمانٍ مررتَ بهِ ... إلاَّ الخليفةُ عثمانُ بنُ عفَّانِ
قدْ يَبتغي المدحَ أقوامٌ بمالِهم ... لكنَّ عُثمانَ يَبْغيهِ بمجَّانِ
والنَّاسُ أكيسُ من أن يَمدحوا رجُلًا ... حتَّى يروا عندَهُ آثارَ إحسانِ
يا أُختَ كندةَ ليسَ الرّزقُ في يدهِ ... الرِّزقُ في يدِ مَنْ لو شاءَ أعطاني
وقال ابن المعتزّ:
صَلاتُك بينَ المَلا نَقرةٌ ... كما استلبَ الجُرعَةَ الوالِغُ
وتسجُدُ من بعدها سَجدةً ... كما خُتِمَ المِزْوَدُ الفارغُ
آخر:
وصاحبٍ سبقتْ منهُ إليَّ يَدٌ ... راثت عليهِ وكافانِي فَعَادانِي
لمَّا تيقَّنَ أنَّ الدَّهرَ حَاربني ... أبدَى النَّدامَةَ فيما كانَ أولانِي
أفسدتَ بالمنِّ ما أسديتَ مِنْ نِعَمٍ ... ليسَ الكريمُ إذا أسْدَى بمنَّانِ
وقال آخر في المبرّد:
ويومٍ كحَرِّ الشَّوقِ في القلبِ حُرُّهُ ... علَى أنَّه منهُ أحرُّ وأَوْمَدُ
ظَلِلتُ بهِ عندَ المُبرِّد قاعدًا ... فما زلتُ من ألفاظِهِ أتبرّدُ
وقال الطَّائي:
لولا الإلهُ وأنَّني مُتحرِّجٌ ... مُتورِّعٌ لَلَعَنْتُ قبرَ خليلِ
أنشَا مسائلَ في العرُوضِ يبينها ... من فاعِل وَمَفَاعِل وفَعُولِ
ما كانت الشُّعراءُ تعرفُ قبلَها ... من فَاعِل أبدًا ولا مَفعولِ
آخر:
لو يُمسَخُ الخِنزيرُ مَسْخًا ثانيًا ... ما كانَ إلاَّ دونَ قُبحِ الجاحِظِ
آخر:
وجهٌ قبيحٌ في التَّبسُّمِ ... كيفَ يَحسُنُ في القُطُوبِ
وقال آخر:
ماذا لَقِينا من المستعربينَ ومِنْ ... بلاءِ إعرابِهم هذا الَّذي ابتَدَعُوا
لقدْ ضَرَّبُوا بين عبد الله ويحهُمُ ... وبين عمرٍو فطالَ الضربُ والوَجَعُ
كم بينَ قومٍ قد احْتَالوا لِمنطقِهم ... وبينَ قومٍ علَى إعرابِهِ طُبْعُوا
أنشدني أبو جعفر البحّاث:
ظلَّ يُغنِّي فَظِلْتُ أبكِي ... أنْتَشِفُ الدَّمعَ بالعِمامَهْ
قالَ تعشَّقتَ قلتُ كلاَّ ... لستُ من الحُبِّ في قُلامَهْ
صوتُكَ هذا الَّذي سَمِعْنا ... ذكَّرَنا صيحَةَ القيامَهْ
أنشدنا عيسى بن عبد الله الأديب:
ولِي صاحبٌ لا قدَّسَ اللهُ روحَهُ ... بغيضٌ إلى الأخوانِ غيرُ رحيبِ
أكلتُ عَصِيبًا عندَهُ في مَضِيرة ... فيا لك من يومٍ عليَّ عَصِيبِ
وقال آخر في معربد:
لا بُدَّ يومَ شَرابِهِ ... لنديمه عندَ النَّدامَهْ
مِن جَوْشَنٍ تحتَ الثِّيابِ ... وخوذةٍ تحتَ العِمامَهَ
وقال آخر في القربان:
يا بخيلًا ليسَ يَدري ما الكَرَمْ ... حرَّمَ اللّؤمُ علَى فيهِ نَعَمْ
1 / 25