ومع ذلك فقد أخذ البشر يدركون على نحو متزايد أن ما يسمى الذكاء الاصطناعي لم يكن كذلك ببساطة؛ فالذكاء، تلك العلاقة النهمة غير المثالية مع العالم - التي تتسم بالعمدية والعناد والاستعصاء على التنبؤ - بدت بعيدة عن المتناول كشأنها دائما، ومع مرور الأعوام بدت بعيدة حتى عن متناول القدرات الافتراضية للآلات. لم تكن الآلات الذكية أشخاصا من نوع جديد، بل كانت وسائط؛ قنوات معقدة ومثيرة للرغبات الإنسانية. ورغم إصرار الأدب الرخيص على معاملة الآلات الذكية وكأنها بشر، وإصرار الممثلين الكوميديين على إلقاء النكات حول هذا الأمر - على شاكلة «ذات مرة دخل اثنان من الروبوتات إحدى الحانات، وقال أحدهما ...» - حسنا؛ فهذه في حقيقتها لم تكن إلا تعبيرا عن مخاوف ومتناقضات موجودة منذ وقت طويل. في الوقت عينه، حتى اليابانيون بدا أنهم تجاوزوا هوس بلدهم الذي امتد لقرن كامل بالروبوتات.
غير أن جونزاليس كان يتلقى تقريرا متأخرا من الجبهة من شأنه أن يعيد كتابة الحقائق البديهية المسلم بها في منتصف القرن الثاني والعشرين حول طبيعة الذكاء الاصطناعي.
قال هاي ميكس: «آمل ألا يكون هذا مزعجا أكثر مما ينبغي. تقول ألف إنه ليس مفترضا بي محاولة التنبؤ بما سيحدث ومن سأصير عليه، وتقول إن علي ببساطة أن أستكشف من أكونه.» «نصيحة حكيمة، تبدو كذلك ... لأي منا.»
قال هاي ميكس: «علي الذهاب. إن وجودي هنا وحديثي معك يستنزفان كل قدراتي، ولدى ألف عمل يجب علي القيام به. سيكون جيري تشابمان هنا قريبا.» «حسنا. سنتحدث باستفاضة أكثر في وقت لاحق ... من الممكن أن يكون هذا مثيرا للاهتمام، حسب اعتقادي.» «نعم، أعتقد هذا أيضا. وأنا سعيد للغاية أنك لست متضايقا.» «من ماذا؟» «أظنها طبيعتي التي كشفت عنها حديثا. كلا، هذا ليس صحيحا؛ بل لأنني كذبت عليك، لأنني لم أخبرك بحقيقة ما أنا عليه وما أنا في سبيلي إلى أن أكون عليه.» «لقد كذبت على نفسك أيضا، أليس كذلك؟ أليس هذا ما قلته؟» «بلى، هذا صحيح.» «حسنا إذن، ما مقدار الحقيقة الذي يمكن أن أتوقعه؟» •••
جلس جونزاليس وجيري تشابمان على طرف منصة عائمة، يشاهدان البط وهو يلعب في المياه التي تنعكس عليها أشعة الشمس. كان جيري رجلا في منتصف العمر، طويلا ونحيلا، له شعر أشقر آخذ في الشيب، وجلد خشن بفعل الشمس والرياح. كان قد وجد جونزاليس جالسا تحت أشعة الشمس، وقدم كل منهما نفسه للآخر. وقد شعرا بألفة فورية، هذان الرجلان اللذان غير العمل شكل حياتهما، يشعران كما لو كانا في بيتهما وسط بحر المعلومات هذا.
قال جيري: «لا أذكر حقا أي شيء بعد أن أصبت بالمرض الشديد. محار نيئ يا رجل، بمجرد أن بدأت تناول أول واحدة، علمت أنها فاسدة، ونحيتها جانبا. لكن كان الأوان قد فات: بادئ ذي بدء، شعرت بألم شديد في قلبي لم يسبق لي أن شعرت بمثله من قبل ... لا أذكر أي شيء بعد ذلك. من الواضح أن الأشخاص الذين كنت برفقتهم طلبوا الإسعاف، لكن كان أول ما أدركه بعد ذلك هو خروجي من ظلام عميق، وديانا تتحدث إلي.» «لم أكن أعتقد أنه كان لها دور في تلك المرحلة.»
ابتسم جيري وقال: «لم يكن لها دور بالفعل. لقد نقلوني من الأرض إلى هنا، وأنا متصل بأجهزة الإعاشة. لقد كانت ألف، وقد اتخذت شكل شخص مألوف لدي، هكذا أخبرتني لاحقا. كان هذا سابقا على وضع الخطة، حين ظن الجميع أنني سأموت عما قريب. على أي حال، حتى يومنا هذا ما برحت أدخل وأخرج من حالة لا أستطيع وصفها بالوعي، بينما شرحت لي ألف ما يجري التخطيط له وأنني أستطيع العيش هنا، إن أردت ... أو يمكنني أن أموت.» ثم توقف لبرهة. وعلى صفحة الماء، طارت إحدى البطات نحو أخرى مطلقة صيحات غضب. ثم قال: «اخترت الحياة، لكنني لم أفكر حقا في الأمر، لم أستطع التفكير بهذا القدر من الوضوح. ربما لم يكن لدي أي خيار على أي حال.»
ثمة شيء في صوت جيري بث الرعدة في أوصالي. سألته: «ماذا تعني؟» «ربما كان اختياري محض وهم. مثل هذا» ثم مد ذراعيه مشيرا إلى السماء والماء وأردف قائلا: «الأمر مقلق للغاية؛ فكل شيء يبدو واقعيا، راسخا، لكنه ليس كذلك بطبيعة الحال، ليس على حد علمي، فأنت محض خيال، شأنك في ذلك شأن كل شخص آخر ينضم إلينا، وإلي ... ربما أنا جزء آخر من الوهم، ربما كل حياتي، وذكرياتي، زائفة.» ثم ضحك، وخيل إلى جونزاليس أن صوت ضحكته كان مريرا لكنه لم يكن أشد جنونا مما يستدعيه الموقف. •••
جلس جونزاليس وجيري في الغرفة الرئيسية لكوخ ذي سقف مائل مصنوع من الخشب الأحمر وخشب الصنوبر. كانت النوافذ تغطي أحد جوانب الكوخ، وتطل على شرفة تفضي إلى بحيرة تقع على مسافة مائة قدم أو نحو ذلك إلى الأسفل. جلس جونزاليس على مقعد وثير مغطى بملاءة رثة من قماش الشنيل، بينما استلقى جيري على أريكة جلدية متدلية.
في الخارج، كان المطر يتساقط على نحو متواصل. وفي وقت الغسق انخفضت درجة الحرارة ، وبدأ المطر في الهطول بينما كان الاثنان يصعدان الطريق الترابي الواصل بين البحيرة والكوخ. وقد قال جيري: «يا إلهي! إن ألف تفرط في الواقعية، ألا تعتقد هذا؟»
ناپیژندل شوی مخ