وبينما كانا يعبران، ألقى جونزاليس نظرة سريعة على الغرف الجانبية عبر الأبواب المفتوحة. كانت إحدى الغرف تعرض مشهد سماء الليل المليئة بالسدم الدوارة وملايين النجوم، بينما عرضت الغرفة التالية منظر ضوء الشمس والثلوج المبهرة. أما الغرفة الثالثة فلم تكن تضم شيئا إلا الجدران البيضاء، والأرضية الرخامية المصقولة، وتمثالا ليد بارتفاع خمسة أمتار يقف دون حراك، بحيث كانت إصبع السبابة ممدودة في وضع أفقي، والأصابع الثلاث الأخرى مضمومة قبالة راحة اليد، والإبهام منتصبا في وضع رأسي، وكأنه زناد مسدس خيالي.
انفتحت الأبواب المصنوعة من خشب الماهوجني أمام الرجلين، ودلفا إلى داخل المكتبة. لم تكن جدرانها المكسوة بالألواح الداكنة تفصح عن شيء: فحتى عند النظر عن قرب كان من الممكن أن تبدو الكتب مجرد صور هولوجرامية، أو كتب حقيقية. كانت وحدات إدخال البيانات المسطحة موضوعة داخل طاولات جانبية من خشب الماهوجني، وإلى جوارها كانت توجد مقاعد مكسوة بالجلد الأحمر وأرائك مخملية ذات لون كستنائي.
قال تراينور: «اجلس يا ميخائيل.»
كان باستطاعة جونزاليس الشعور بالصمت الثقيل المقبض الذي ساد المكان في أوقات سابقة؛ إذ استحضرت الكسوة الجلدية والأثاث أجواء أندية السادة وغرف التدخين والهمسات المقبضة الخاصة بالصفقات الدائرة.
ظهر فقدان التركيز على عيني تراينور، بينما سبح ذهنه في أمر آخر وهو يستمع إلى الصوت الذي يتردد في أذنه. وحتى لو لم يكن جونزاليس واعيا لاعتماد تراينور على «مرشده»، لكان سيعرف ما يحدث. كان تراينور ، الذي يحتل مكانة أعلى من أي شخص آخر يعرفه جونزاليس، يحتاج إلى الاطلاع دوما على المعلومات والنصائح والتمتع بالدعم الانفعالي العام الذي يقدمه المرشد؛ ومن ثم فقد كان ثمة جهاز إرسال واستقبال مثبت تحت أذنه اليسرى. ومتى أراد، كان صوت المرشد يوجهه، عبر الشبكات الخلوية وروابط الأقمار الصناعية.
أخيرا رفع تراينور عينيه وقال: «انظر، أريدك أن تركز على مهمة ستؤديها من أجلي. أيمكنك عمل ذلك؟» هز جونزاليس كتفيه. أردف تراينور: «أنت تشعر بالارتباك والغضب - فقد هوجمت وكدت تقتل - أعلم هذا. لكن اسمعني: أنت تعمل في إدارة الشئون الداخلية، وهذه هي مخاطر المهنة. لقد دققت أنت وجهازك بشدة في عمليات ذلك الرجل، وقد أخافه هذا، ولذا أقدم على هذه المحاولة الغبية.» «أريده أن يدفع ثمن هذا.» «عليك مسايرتي في هذا الأمر وربما تتاح لك الفرصة لفعل هذا، لكن لاحقا، أما الآن فلدي عمل آخر من أجلك.» «حسنا، سأفعل هذا.» كان جونزاليس يعلم أن عليه مسايرة تراينور؛ فقد كانت هذه فرصته الوحيدة كي ينتقم من جروسباك. فليسايره الآن، وينتقم لاحقا.
قال تراينور: «عظيم. ما الذي تعرفه عن مدينة هالو ومنظومة ألف؟» «لقد شيدت هذه المدينة على يد اتحاد شركات متعددة الجنسيات. وقد احتكرت سينتراكس البيانات، وتوظف منظومة ذكاء اصطناعي واسعة النطاق من أجل إدارة المدينة. هذا كل ما أعرفه.»
أضاءت الشاشة الجدارية التي تشغل أحد الجوانب وعرضت شعارا بلون أسود عريضا:
شعار ألف.
تردد صوت تراينتور عبر سماعة في السقف، وقال: «الشعار الذي تنظر إليه كان الشعار الأصلي لمنظومة ألف حين شيدتها سينتراكس. وحسب نظام كانتور فهو يمثل أولى الأعداد فوق المتناهية، بحيث يدل على المجموعة اللانهائية من الأعداد الصحيحة أو الكسور أو الأعداد الطبيعية. كما أن كلمة «ألف» نفسها هي الحرف الأول من الأبجدية العبرية واسم لإحدى القصص.»
ناپیژندل شوی مخ