هلاج
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
ژانرونه
ولقد تحاشى مؤرخو الحياة الروحية في الإسلام هذه المأساة وسرها وما يدور حولها، تحاشاها القدامى تحت ظلال صيحات الرعب والهول التي أطلقها العباسيون، مدمدمة حول الحلاج وتاريخه، وحول من يلوذ به، أو يترنم بلحونه وأهدافه، حتى إن السراج الطوسي - وهو معاصر للحلاج أو يكاد، وهو أكبر المؤرخين للحياة الروحية، وسير أعلامها ورجالها - أهملها وتجاهلها، مع جلالها ومكانتها.
وحتى إنه ليستشهد في كتابه العظيم «اللمع» في أكثر من خمسين موضعا بكلمات الحلاج في المعرفة والتصوف، دون أن يذكر اسمه، بل يصطنع تعبيرا عجيبا، فيقول: قال بعضهم! أو قال القائل!
وكذلك صنع المؤرخ الصوفي، العلامة الكلاباذي في كتابه «التعرف» فهو يروي كلمات الحلاج التي ترسم آفاق التصوف، وتحدد مناهجه، دون أن يذكر اسمه، بل يصوغ تعبيرا بديعا هادفا بقوله «قال أحد الكبراء!»
وجاءت كتب الطبقات الصوفية، فتحدثت في إسهاب، وفي إسراف عن كل ما يتعلق بالتصوف ورجاله، وقادته وأعلامه، ثم مرت سريعة خفيفة، بسيرة الحلاج، أو حومت حولها، في حذر مصطنع، وتجاهل متعمد.
ثم جاء المحدثون من أصحاب الأقلام، فوقفوا حيارى ذاهلين أمام المأساة الحلاجية، أو العقدة الحلاجية، فقد زيفت تلك المأساة تزييفا فنيا رائعا، فتقنعت أحداثها بالغموض، واشتبكت صورها بالأهواء، وتضاربت فيها الأقوال، وامتلأت آفاقها بالأساطير والخيال.
فقد اشترك الجهاز العباسي العالمي بكل قواه، وبكل عملائه، من علماء وفقهاء وشعراء وكتاب، في هذا التزييف الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا.
وجاء رجال التاريخ الإسلامي، وجلهم من الحنابلة المتزمتين فألقوا بكل ما في صدورهم، من موجدة، ومن حقد على التصوف الإسلامي، على رأس الحلاج وتاريخه ورسالته.
وعجزت كل هذه الخصومات، وكل هذه الأباطيل والأساطير، عن أن تطفئ شعاع هذا الروح الكبير، وظل شعاعه الروحي يومض في أفق الحياة ومضات تترك آثارها ولمساتها في القلوب والعقول، وفي الضمير الإنساني، والوجدان البشري.
والتاريخ كما يقول العلامة سبنسر: «لا يموت»، فإن حقائقه وإن توارت في زحام الأغراض، وصيحات الأقزام، تستعصي أبدا على الفناء.
ومن هذه الحقائق المتناثرة، التي أثقلت كواهلها أكداس هائلة من التزييف والتلفيق، نحاول أن نقيم حياة، وأن نعرض هذه الحياة، بكل ما أبدعت وابتكرت على الناس، وأن نجعلها على جبين الشمس واضحة سافرة.
ناپیژندل شوی مخ