بسم الله الرحمن الرحيم
«وصلى الله على محمد وآله»(1)
{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}[آل عمران:8].
أما بعد: فإن الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-(2) وهو قوله: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليا من أهل بيتي يعلن الحق، وينوره، ويرد «كيد»(3) الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار))(4)
مخ ۴۳
[سبب التأليف] حملنا على ما يحق لمثلنا أن يتكلم فيه، وينشر أنوار الحق من مثانيه، فإن الحجة بنا اتضح دليلها ولاحت سبيلها، وأنارت غررها، وحجولها(1) فإن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة(2) لئلا تبطل حججه وبيناته، وتلتبس آياته ، ويظلم من الحق مشكاته، وتعمى من الهدي واضحاته، وأن أهل بيت النبوة هم سفن نجاة العالمين، وشهداء الله على خلقه يوم الدين، كما قال تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس}[الحج:78]
وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وهوى))(3).
مخ ۴۴
وقال: ((إني تارك(1) فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))(2) وأئمة الهدى هم الفرقة الوسطى(3) إليها يرجع الغالي وبها يلحق التالي، وهم لب اللباب(1) ونظراء الكتاب وقدوة(2) أولي الألباب، والسابقون إلى الخيرات، والمتوقلون(3) إلى أعلى الدرجات(4)، صفوة الذرية النبوية، وخلاصة الثمرة الزكية.
مخ ۴۶
[أهل الحل والعقد وبيعة المؤلف] تقلدنا قلائد الزعامة، وتحملنا أثقال الإمامة، سار العلماء إلينا أرسالا(1) من كل فج عميق، ومكان سحيق قياما بما يلزمهم من إجابة الواعية(2)، وإخالة لبارق كانوا فيه على الرجاء والطماعية، وكانوا يغدون ويروحون في ميدان الاختبار، ويحاوروننا صباح مساء في ذلك المضمار، فسبقنا سوابق فرسانه، واستمددنا برهانه(3) في طويل ميدانه، وقامت الإمامة دلائلها، وسارت فضائلها، وحينئذ اتضح الحق وتعين فرض الإمامة على كافة الخلق، وازدحموا على البيعة ازدحام الهيم(4) على حياضها، والحدابير(5) المسنتة(6) على رياضها(7) وكانوا عند ذلك بين منتكب قوسا(8)، أو متقلد سيفا، أو معتقل رمحا، يمشي إلى صف أو يتقدم في زحف(9)، وبين قارع منبرا، أو قارئ دفترا، هذا يقوم بجمعتها، وهذا يدعوا إلى جماعتها، وهذا يتحدث في فضائل صاحبها، وهذا يمتطي الآفاق(10) بدعوتها مطيا بجانبها، ولما رأتهم الدهماء(11) كذلك قلدوهم فيما لا يعرفونه إلا من جهتهم، وضموه إلى ما تتناوله معرفتهم من خصالها التي يستوي في معرفتها العالم والجاهل، والنبيه(1) والخامل، فأعطونا صفقتهم طائعين، وأنفقوا أموالهم متقربين، وساروا في مقامات الجلاد: {كأنهم إلى نصب يوفضون}[المعارج:43] حتى قمعنا نواجم الضلالة(2)، وطمسنا رسوم الجهالة.
[بين المؤلف ومعارضيه: آراء ومواقف]
وصار أنف الإسلام كله لنا، ونحن في حال(3) ذلك ندعوا بني عمنا(4) إلى النصرة ، ونقول: أنتم وجوه الأسرة، وأعلام العترة، وهم مرة ينتقصون الإمام والإمامة، ومرة يقولون نحن أولى بالزعامة، ومرة «يصدون عن سبيل الله من آمن به ويبغونها عوجا»(5) ومرة يكاتبون سلطان اليمن(6) نظما ونثرا، ويلتمسون من لديه فرجا ونصرا،؛ بغيا وحسدا: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما}[النساء:54].
مخ ۴۸
هذا أميرهم أحمد بن الإمام المنصور بالله(1) -عليه السلام- يقول لعمر سلطان اليمن، في أحد(2) مكتوباته المصونة، وأسراره المخزونة(3):
رقدت وطاب النوم لي وكفيتني ... وكل فتى يكفى الهموم ينام
ويقول «أيضا»(4):
إذا أيقظتك صعاب الأمور ... فنبه لها عمرا ثم نم(5)
مخ ۴۹
ويقول عقيب ذلك: يا عمراه يا عمراه(6) ويعرفه(7) كيف يكيدنا؟ ومن أين يأتينا؟ فلما ولى عمر وظهر أمرنا واستمر، دخلوا في الإمامة كما دخل(8) بنو أمية في النبوة(9) إما رغبة وإما رهبة، وكانوا كما قال الله تعالى: {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون}[التوبة:48] فقبلناهم عند ذلك وقلنا: لعل ما ظهر على ألسنتهم يبطن، وما قبح من بواطنهم يحسن، فكانوا معنا يسلقوننا(1) بألسنة حداد وتارة ينظروننا بأعين الحساد، وآوانة(2) يذكرون علينا قديم الأوثار (3) والأحقاد، ويدلون على عوراتنا الأضداد، ونحن في خلال ذلك ما غمض من كيدهم أوليناه اصطبارا، وما ظهر وسعناه صفحا واغتفارا، ثم حلفوا لنا مرارا وأكدوا البيعة أسفارا، ثم تركونا حتى نال العدو من أطرافنا ما نال(4)، وآل بنا الأمر إلى أضيق مآل، ومالوا علينا يسرون حسوا(5) في ارتقاء، ويحلبون «شخبا في الأرض وشخبا في الوعاء»(6)، ثم صرحوا بالحرب، وبرزوا للطعن والضرب، ورجعوا عن قول الإمامة، ونسوا مناقشة يوم القيامة.
مخ ۵۰
قلنا: أما كنتم قبل الإمامة تومئون بالإشارات إلينا، وتقولون في الزعامة علينا! فما بالكم لما سطع قيامها، وخفقت أعلامها انقلبتم على أعقابكم، وخالفتم(1) كرم نصابكم {ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}[آل عمران:144].
ما أشبه ما نرى منكم بما حكى الله سبحانه عن نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- «وعن»(2) قوم يهود(3) حين كانوا يخوفون الأوس والخزرج بنبي قد أطلهم زمانه، ودنا أوانه، قال تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين، وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق(4) مصدقا لما معهم....إلى آخرها}[البقرة:89،90،91].
مخ ۵۱
فإن كان ما أظهروه من القول بالإمامة من قبل صحيحا فقد صار ما قالوه آخرا من إنكاره كذبا، وإن كان ما أظهروه آخرا من إنكاره صحيحا فقد بان الذين كانوا عليها(1).
فإن قالوا: دخلنا بدلالة، وخرجنا بدلالة(2).
قلنا: غرقتم في بحار الجهالة، وتهتم في أودية الضلالة، كيف تكون المتنافيات أدلة توجب علما أو تورث فهما؟
فإن قلتم: كانا شبهتين جميعا في دخولنا وخروجنا.
قلنا: قد أخطأتم في الدخول من غير يقين(3) «وأخطأتم في الخروج من غير يقين»(4) وأصبحتم بين الفريقين مذبذبين وأنتم إلى الآن تجرون في ميدان الاشتباه، أفما لهذه الأفئدة(5) من انتباه؟ وإن كان الدخول شبهة والخروج يقينا.
مخ ۵۲
قلنا: فشرائط الإمامة يقضى فيها إلى الاضطرار، ويستوي العلماء في أكثرها(1) والأغمار(2)، فمدعي خلافها بعد الإقرار بصحتها يشهد على نفسه بالكذب(3)، ويحجب من باطله ما لا يحتجب على أنه قد جعل على نفسه سلطانا، ومكن(4) منها زمانا وعنانا، فإن أوضح على الإمام فسقا بينا، وضلالا قادحا معينا(5) وإلا دخل فيما خرج عنه؛ فإن الإمامة لا تبطل بعد ثبوتها إلا بفسق ظاهر، تقع عليه الإصرار، وتلازمه المتابعة والاستمرار؛ لأن الإمام إذا أخطأ(6) خطأ وتاب عادت له الإمامة، واستمرت(7) أحكام الرئاسة والزعامة، وإن كانت الشبهة هي في الخروج(8)؛ فذلك إقرار بالبقاء على الضلال وتعلق بأسباب المحال(1)، وعدول عن رقراق السلسال، إلى براق الآل، والذي بقي بعد هذا إما تدعون الإكراه في الإمامة عند دخولكم فيها! كنتم مباهتين مكابرين، وإما تعتقدونها باطنا، وتدفعونها ظاهرا؛ فكفى بذلك عذابا، ونكالا عند رب العالمين، ولنا فلجا(2) عليكم إن أظهرتم ما أبطنتم عند جميع المسلمين، بل العقلاء المميزين ملحدين كانوا أو محدين.
[دعوى ابن حمزة حول مقتل حميد المحلي]
مخ ۵۴
ومن(3) عجائب ما بلغنا عن الأمير شمس الدين أنه يقول لم يرض قتل «الفقيه»(4) حميد ولم يرض(5) له هذه الميتة، وكان من طلبة الدنيا وقد أخلد إليها(6) ودلالة هذا الرجل تعنينا بغرور وأوقعه في محذور، ولو أطاعنا ما كان الذي كان وغيره يقول: اقتلوا الإمام والشيعة تصف لكم الدنيا.
[رد المؤلف على الدعاوي السابقة]
فقوله:(1) «لم يرض قتله ولم يرض له هذه الميتة»(2): كلام متعارض لأنه إن كان حميد محقا فلا ميتة أرضى من ميتته؛ فقوله: «لم يرض له هذه الميتة» كلام فاسد، وإن كان حميد مبطلا فكيف لم يرض بقتله {فكيف آسى على قوم كافرين}[الأعراف:93].
مخ ۵۵
وقوله: «لم يرض قتله»، كلام لا يستقيم؛ لأنه قاتله، ألا ترى أنه أجلب عليه بخيله(3)، وقتل بقوة سلطانه، والأمة مجمعة «على»(4) أن يزيد بن معاوية(5) قاتل الحسين بن علي(6) وهو بالشام(1) والحسين(2) بن علي «عليه السلام »(3) قتل بالعراق(4)، وللأمير في حميد أكثر مما ليزيد في الحسين؛ لأنه حاضر قتله، وأجلب(5) عليه خيله ورجله، وإنما قالها تنزها وتسترا قبالة العامة لما قالت: أكنت تمشي رويدا لتقتل حميدا {لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن(6) منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا}[مريم:89،90]، ويلك من الله، {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}[آل عمران:30].
أتروم(7) إعادة أمس، أو نيل الشمس باللمس
مخ ۵۶
وهبني قلت هذا الصبح ليلا ... أيعمى الناظرون عن الضياء(8) راكمت سحائب الظلمة(1)، وقتلت رباني هذه الأمة، رجلا أفنى عمره في الذب عن الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين، ولأبيك أمير المؤمنين(2) من مقامه ومن أكاليمه شذورها ودررها(3) ومن تصانيفه روائقها وطرائفها، ومن رسائله سوابقها وشرائفها، ننشدك الله ومن سمع كلامنا هذا لو بعث أبوك وجدك رسول الله «صلى الله علي وآله وسلم»(4) أكانا مع حميد؟ أو عليه؟ أو سعيا إليك أو إليه؟ أو كانا يؤثران نصرنا أو نصرك؟ أو يعضدان أمرنا أو أمرك؟
فإن قلت: معنا ومع حميد، كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأبوك الثائرين لنا منك.
وإن قلت: معك أكذبك قول والدك(5):
مخ ۵۷
لا أعرف الخمر إلا حين أهرقها ... ولا الفواحش إلا حين(6) أنفيها أليس في عسكرك هذا فعل المنكرات، وشرب المسكرات، وقتل النفوس المحرمات، ومن ينفيك من محمد وعلي، ومن يرى بولاية كل عدو وعداوة كل ولي؟، فأما لحمتك الواشجة(1)، وقرابتك القريبة فإنها لا تفيدك أكثر من النسب ولغيرك المذهب، قال الله تعالى: {يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}[هود:6]، وقال الله تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}[آل عمران:68].
وأما قوله: «بأنه أخلد إلى الدنيا»(2)، فكيف(3) يخلد إليها من عمر عمرا طويلا متمكنا منها وهو تارك لها، ولما توفي لم يدع(4) دينارا، ولا درهما، ولا هتك في حياته(5) محرما، ولا ارتكب مأثما، ولا ظلم مسلما، ولا سفك في غير الحق دما، ثم سفكت دمه، وعفيت(6) كرمه.
مخ ۵۸
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وأما قولك: «بأني اغتررته»، فكيف يغترر باني الكلام، وعين عيون أهل الإسلام، وهو يصنف من قبل أن نولد نحن؟ أمثل حميد يختلين عن دينه، أو يلوي عن يقينه، وأنت مع ذلك تدعي لنفسك النصيرة، وتدعو إلى الصراط السوي والطريقة المنيرة: {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون}[الأنعام:81]: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}[الزمر:9].
أمن كان تصفه من نزل فيه قوله تعالى: {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون}[الأنعام:122]، كلام الزهاد، وقلوب قوم عاد {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه(1) وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}[البقرة:204،205،206].
مخ ۵۹
وأما قول القائل: (اقتلوا الإمام والعلماء)، فأي عصابة حق يكون هذا القائل أميرها؟ ومن(1) أمرائها؟ وما سمعنا لقوله شبها(2) إلا قول الملاحدة «في عهودهم إلى أوليائهم»(3): اقتلوا الديوك والملوك- يعنون بالديوك: العلماء، وبالملوك: ملوك الإسلام(4) محقين ومبطلين، وقد زاد عليهم بأنه اختص الإمام وحده من الملوك حتى يكون بقتله أو نية قتله كأنه قتل الناس جميعا كما ذكر الله من قوله: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا}[المائدة:32]، وهذا في أئمة الحق عند المفسرين(5).
وبلغنا تشدق في المقال واستهزاء بالدين وأهله، وستخزي برؤوس العلماء وتهجين(6)، فعجبنا، وتأسينا في ذلك بقول الله سبحانه: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب}[البقرة:212].
مخ ۶۰
وقد كنتم أهل هذه الدولة من قبل قيامنا تلتمسون إماما تقاتلون معه، فلما قام الإمام قلتم {نحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال}[البقرة:247]، فكنتم كالملأ من قوم موسى حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة(1).
وأما قول القائل منكم(2): «لو أطاعنا حميد ما قتل وما كان الذي كان» فقد دخل جوابه تحت قول الله تعالى في قوم: {لو أطاعونا ما قتلوا}[آل عمران:168] (3).
وكيف يطيعك حميد إلى ما أنت عليه؟ وبالأمس أنت وهو مجتمعان على تضليل من فعل أدنى فعلك، وماضيان عليه بحرمة المناكحة والموارثة، وأكل الذبيحة، ولم يبدل حميدا شيئا مما كنتما عليه، إلا أن يكون حكمك حكم دابة القاضي.
مخ ۶۱
ألم تعلم أن الإمام المنصور(4) «عليه السلام»(5) كفر أهل حقل(6) بمواصلة كانت يعرفونها(1)، وكفر شريفا من(2) بني الهادي من أهل مخرفة، وفسخ بينه وبين زوجته النكاح؟
وكيف تدعون الناس إلى ما أنتم عليه؟ وكنتم بالأمس تكفرون من أتاه {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير}[البقرة:109].
أما تخشون من الله؟ أما تخافون عاجل النقمة بترك التناهي وكفر النعمة؟ أما سمعتموه تعالى يقول(3): {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}[المائدة:78،79،80،81].
مخ ۶۲
انظروا في هذه الآيات(1) هل بعدت منكم معانيها(2)؟ أو سلمتم مما فيها؟ ألم تعلموا(3) أن الله سبحانه حكم على بقية بني إسرائيل في وقت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنهم قاتلون الأنبياء الذين قتلهم أسلافهم؛ فقال تعالى: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين}[البقرة:91] وزمانهم غير زمانهم، ومكانهم غير مكانهم، لما كانوا مطابقين لهم في الرضا بتلك الأفعال(4) فكيف تنكرون قتل العلماء وأنتم مباشرون لذلك، وسالكون في قتلهم أوضح المسالك(5)، ومن العجائب أنهم ربما انتقوصنا والنقص علينا وعليهم واحد(6) لأن القاسم بن إبرهيم(7) يجمعنا، فإن يقولون(1) من هنالك أنهم سادوا وذللنا، فإن كان الكلام في شرف الدنيا فنحن قبل «قيام»(2) دولة المنصور كما تعرفون إن لم نزد عليهم لم ننقص عنهم إلا أن يكابروا فبيننا في ذلك قبائل همدان(3) فالكل بين «أظهرهم حاسدنا ومحسودنا، وناشئنا ووليدنا»(4) وما غطى ولا كتم من استشهد بالسواد الأعظم(5) وإن كان في شرف الآخرة فالإمام المنصور بالله -عليه السلام- يقول: بأنه(6) ليس بينه وبين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا من هو من أهل الجنة، ونظم في ذلك وقال(7):
والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرئ هاد نماه هادي(8)
وهذا لعمري(9) شرف عميم، وكرم جسيم، لا ننكره ولا نرده، ولا نحسده عليه.
وكذلك ما قاله في نفسه نظما ونثرا من حملها على الفضائل ورفعها عن الرذائل كما قال(10):
مخ ۶۴
فلا والله ما قارفت ذنبا ... كبيرا ملكت جفون عيني(1)
وهذا يعرف(2) به أيضا وهو خليق به سلام الله عليه(3) ولكن نقول: نحن ندلي بمثل ما أدلى به، وندعي مثل دعواه، ولا يمكن أحد يكذبنا إلا مباهت(4) كما لم يكذبه(5) صلوات الله عليه(6) من الفرق الضالة إلا مكابر.
[المؤلف وبعض من الخلال السوكية]
[تعريف الافتخار]
فنقول: والله ما عرفنا كذبة، ولا ركبنا زلة، ولا تدنسنا برذيلة. نقول ذلك تعريفا لا افتخارا، وتبصرة لمن يريد «أن»(7) يكتسب في أمرنا استبصارا، فالحمد لله(8) الذي طهرنا من الأدناس وقضى لنا(9) بالفضل، والبسطة(10) على كافة الناس، وهو: {الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}[الأعراف:43].
مخ ۶۵
[بين المؤلف والإمام المنصور: تعريف مشترك] وكذلك نقول كما قال المنصور بالله -عليه السلام(1): ما بيننا وبين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا مثل ما ذكره من أب وأم، وكان ذلك الصف مستقيما فزدناه(2) ترصيصا(3) وتقويما، وشيدنا بنيانه تكريما وتعظيما، فإن جاء بعدنا ولد فخالف معتادا(4) أو جعل في الثوب الأبيض سوادا، فلا بلغه الله، ولا بارك فيه، ولا جعل له في آل محمد نسلا؛ لأن من تقدمه من أبويه قد أخرجه بفعله عن أن يكون لذلك أهلا.
ووجه آخر هو(5) أنما يدعيه المنصور بالله نحن شركاؤه فيه، فإن كثيرا من جداته الطاهرات هن جداتنا فهو ثوب نحن نتجاذبه(6)، وشرف يلوح فينا كواكبة.
ووجهه(7) آخر وهو: أنا ورثته دونهم(8)؛ لأنا منه، وما كان من شرف الدنيا والآخرة، فقد ورثناه فعلا وقولا، ونسبا ومذهبا، وعلما وعملا.
{إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}[آلا عمران:68].
مخ ۶۶