قال عروة: «حسن بن علي، فإنه خلع نفسه وبايع معاوية.» ولم يتم عروة قوله حتى رفع عبد الله رجله وضربه بها حتى ألقاه عن المقعد. فأجفل الناس من سقوط عروة وأعظموا غضب عبد الله فتهيبوا، ثم سمعوه يقول له: «يا عروة، والله لو قبلت ما يقولون ما عشت إلا قليلا ولا أخذت إلى الدنية. وإن ضربة بسيف في عز لخير من لطمة في ذل.» ثم وقف والتفت إلى الجموع ولحيته ترقص في وجهه من شدة التأثر وقال لهم: «أنتم مخيرون فافعلوا ما تشاءون، وإن رجلا يجر إلى الحرب بحبل لا يحارب، وإن الله وليي ونعم النصير.» قال ذلك وأراد الانصراف، فوقف ولداه حمزة وحبيب وقالا: «هل نحن مخيران أيضا؟»
فعجب حسن لما سمعه وقال في نفسه: «حتى أولاده تخلوا عنه.» والتفت إلى عبد الله فرآه ينظر إليهما وعيناه تلمعان بما يتجلى فيهما من الدمع ثم قال: «نعم وأنتما أيضا في حل، امضيا واطلبا الحياة ولا تموتا.» ثم اختنق صوته فسكت ريثما ابتلع ريقه ونظر إلى ابنه الثالث الزبير وقال له: «يا بني اطلب لنفسك أمانا مع أخويك فوالله إني لأحب بقاءكم.»
فوثب الزبير من مجلسه وقال ولم يبد على وجهه شيء من الخوف: «حاش لله أن أتخلى عنك فما كنت لأرغب بنفسي عنك.» •••
انصرف عبد الله من باب يؤدي إلى دار النساء، وظل حسن واقفا يسمع ما يدور بين الحاضرين، فعلم أنهم أجمعوا على الخروج إلى الحجاج يلتمسون أمانه، وأدرك أن أشد ما أبعدهم عن عبد الله أنه يقتر عليهم، في حين يسخو عبد الملك على بني أمية ويبذل الأموال لمناصريه، فساءه ذلك لاعتقاده أن هؤلاء إنما أرادوا الخروج رغبة في العطاء، وإن صبر ابن الزبير لا يفيده شيئا ولكن الإنسان لا يعيش في هذه الدنيا عمرين وإنما هي موتة فلا كانت عيشة تشرى بالشرف والمروءة.
وأحس حسن بيد أمسكته، فالتفت فإذا بابن صفوان يدعوه إليه، فتبعه حتى دخلا حجرة بجانب تلك الدار وابن صفوان يقول: «إن أمير المؤمنين يدعوك وقد أحب أن يراك.» قال ذلك وتركه هناك وخرج.
فسر حسن لهذه الدعوة ورآها فرصة لأداء المهمة التي جاء لأجلها، وإن كان الكلام فيها لا يجدي نفعا.
ثم عاد إليه صفوان وأشار إليه أن يتبعه، ومضى به إلى حجرة رأيا عبد الله يتمشى فيها وحده وقد أخذ منه الغضب مأخذا عظيما، وهو تارة يمسح جبهته وطورا يحك لحيته، وآونة يشمر عن ساعده أو يرسل كمه مما يدل على عظم البلبال. وتأمل حسن في تلك الحجرة فإذا هي لا شيء فيها من الأثاث غير حصير ومقعد. فلما أقبلا عليه تقدم حسن إليه وسلم بالخلافة، فرحب به ودعاه إلى الجلوس على المقعد، فلم ير الجلوس وابن الزبير واقف، فألح عليه هذا بالجلوس وقال: «دعني واقفا وسأجلس بعد هنيهة.»
فجلس حسن وبقي صفوان واقفا مكانه يراعي عبد الله ويراقب حركاته ولا يتكلم.
ثم التفت عبد الله إلى حسن وقال: «من أين قدمت؟»
قال: «من الشام.»
ناپیژندل شوی مخ