فنزل هذا القول بردا وسلاما على قلب حسن، وفرح لتمكنه من نيل بغيته، ولكنه تظاهر بعدم اكتراثه للاطلاع على السر، وجلس بحيث يرى ولا يرى، فرأى عرفجة جالسا بين يدي ابن الحنفية ويخاطبه متهيبا، وسمعه يقول له: «أنت تعلم أيها الإمام أنك أولى الناس بهذا الأمر بعد الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. إن الخلافة بعدهما لك فأنت وحدك ولي هذا الأمر وليس بنو أمية سوى معتدين.»
وظل محمد صامتا لا يتكلم، فظنه عرفجة راضيا بما يقول، فاستأنف الكلام قائلا: «وأنت تعلم يا مولاي أن المختار قام بالدعوة لبيعتك، ولكنه لم يثبت على عهده فلم يوفقه الله، كما نعلم أن السر الذي كان يستعين به على بث الدعوة جدير بأن يقوم به من تندبه لذلك.»
وظل محمد صامتا مطرقا كأنه يفكر في أمر آخر، في حين مضى عرفجة في حديثه فقال: «ولا يخفى على مولاي الإمام أن بني أمية الآن في شغل بعبد الله بن الزبير، وأكثر جندهم منهمكون في حصاره، والعراق خال ممن يدعو أهله إلى الحق، فإذا ندبت أحدا وسيرته إلى العراق ليدعو إلى بيعتك كان ذلك من سداد الرأي.»
فرفع محمد رأسه وقال: «إن الفشل لم يأتنا إلا من العراق، ففيه قتل أبي وأخي غدرا وخيانة.»
فزحزح عرفجة نفسه على البساط وقال: «إن السبب في ذلك الفشل لم يبق منه شيء الآن. وإني أرى السبل قد تمهدت والوقت دنا لظهور الحق.»
فقال محمد: «ومن تراه يليق لهذه المهمة؟»
قال: «إنك أنت الذي ستضع سرك بين يديه وتعهد إليه في النداء بصوت الله، فأمر اختياره إليك.»
قال: «وبمن تشير؟»
فسكت عرفجة وأطرق، وكأنه يخشى أن يصرح بترشيح نفسه لهذه المهمة لئلا يساء الظن به ثم قال: «إن هذا الانتداب لا يكون إلا بإلهام من الله، فاختر من يلهمك الله اختياره.»
قال: «وإذا لم يلهمني الله؟»
ناپیژندل شوی مخ