ولما رأى الماء شعر بانشراح الصدر واستبشر ببلوغ أمنيته وجعل يتفرس في ضفاف ذلك الماء لعله يرى أناسا أو جمالا فلم ير شيئا. ثم سمع الراعي يقول: «ها إننا على ضفاف العقيق ولا نرى فيه أحدا سوى آثار أناس كانوا هنا ورحلوا في أوائل الليل، فاقعد على هذا الحجر واغسل رجليك في هذا الماء واسترح ريثما آتيك بالخبر.»
قال: «دعني أسر معك.»
قال: «لا. امكث هنا واغسل رجليك وسأعود إليك على عجل، فإني لا أتحقق الأمر حتى أطوف حول هذا الماء، ولا حاجة إلى مسيرك معي فقد تعبت وإن كنت في عنفوان الشباب؛ لأن أهل المدن لا يقوون على المسير مثلنا.» قال ذلك والتحف العباءة وسار وحسن يتبعه بنظره حتى توارى، وما لبث أن سمع الشيخ يناديه فنهض وأسرع حتى أقبل عليه فإذا هو واقف تحت شجرة منبسطة الأغصان وقد قبض بيده على شيء وهو يقول: «متى خرجت من المدينة؟»
قال حسن: «نحو الغروب.»
قال: «هل أطعمت الجمل قبل خروجك؟»
فتحير حسن بماذا يجيب؛ لأنه وكل أمر الجمل إلى خادمه فقال: «أظن الخادم أطعمه.»
فبسط الشيخ يده فإذا فيها أبعار فقال: «إن هذه الأبعار لجمل من جمال المدينة جاء وحده إلى هذا المكان من مدة قصيرة ورجع.»
فاستغرب حسن بته في الأمر وقال: «وكيف عرفت ذلك؟»
قال: «عرفته من هذه الأوساخ؛ فإن فيها النوى وهو علف جمال المدينة؛ لأن النوى كثير عندهم. ويظهر من قلة جفافها أنها وضعت من عهد قريب. ولم أر واضعها فيكون قد عاد.»
فوجد حسن كلامه معقولا ولكنه لم يقتنع بأن الجمل الذي يشير إليه هو جمله؛ إذ لا يبعد أن يكون جمل أناس آخرين فقال له: «وما الذي أنبأك أنه جملي وليس من جمال الناس مروا بهذا المكان الليلة؟»
ناپیژندل شوی مخ