قال: «اجعل خروجك عند الغروب من الباب المؤدي إلى مكة، فإنه أسهل مسلكا، ولكنني أخاف عليك من برد الليل فهل احتطت لذلك؟»
قال: «عندي عباءة ألتف بها إذا برد الليل.»
قال وهو يبتسم وكأنه اهتدى إلى سبيل لتنفيذ مرامه: «لا أرى أن تخرج من المدينة وأنت ملتف بعباءة. ومن كان مثلك من ذوي الوجاهة لا يليق أن يمر في الأسواق ملتفا بعباءة، فاسمح لي أن أقدم لك قباء يليق بمقامك.» قال ذلك وصفق فجاءه الغلام فقال: «هات القباء الأخضر المعلق في الحجرة.»
فعاد الغلام وعلى يديه قباء من صوف، فتناوله عرفجة ودفعه إلى حسن وقال له: «إليك هذا القباء فالبسه وأنت خارج على ناقتك في هذا المساء فإنه أوقى لك من البرد.»
فتناول حسن القباء شاكرا، مع أنه لا يرى حاجة إليه؛ إذ لم ير من اللياقة أن يرده، وازداد ثقة في عرفجة وحسن قصده، ولحظ في حركاته ميلا إلى فض الاجتماع، فنهض وقبل يده مودعا. وخرج وقلبه ما زال في تلك الدار، وقد شق عليه أن يخرج منها دون أن يخاطب حبيبته، ولكنه علل نفسه باللقاء القريب بعد رجوعه من مكة، وسار توا إلى السوق ليبتاع بعض النبال استعدادا لعاديات الطريق، ولكنه لم يكن يعرف أين يبيعون النبال، فرأى غلاما رث الثياب على رأسه قفة يلتقط نوى التمر ويضعه فيها، وهي أحقر مهن أهل المدينة، فناداه حسن وسأله: «ألا تعرف رجلا يبري النبال قريبا من هنا؟»
قال: «أعرف كثيرين، هل تريد النبال المريشة أو التي بلا ريش؟»
قال: «إني أفضل المريش منها.»
قال: «تعال معي فأدلك على أحسن من يبريها في هذه المدينة.» •••
سار حسن في إثر الغلام حتى انتهى به إلى الطرف الآخر من المدينة، ووقف به عند حانوت أمامه دكة، وفي صدر الحانوت رجل من أهل يثرب بين يديه القسي والنبال، وفيها المبري، بعضها من الخشب والبعض الآخر من القنا ونحوه. فدفع إلى الغلام درهما وصرفه، ودخل الحانوت والقباء على ذراعه، فلما رآه الرجل عرف من لباسه أنه من أهل الشام، فرحب به وأجلسه على الدكة. فجلس حسن ووضع القباء بجانبه وأخذ يقلب السهام، وفيها الريش المربع والمثلث وذو الجناح الأيمن أو الأيسر. وجعل ينتقي ما يريده منها، ثم قال للرجل: «هل أجد عندك جعبة للنبال؟»
قال: «لا يا مولاي، إني لا أصنع إلا النبال، ولكن جاري جعاب يصنع الكنانة والجعبة من الجلد أو من الخشب على أشكال مختلفة، فإذا شئت بعثت إليه فيأتيك بأصنافها.»
ناپیژندل شوی مخ