فقال حسن: «إذا لم يكن بد من قتلي فاقتلوني داخل هذه الخيمة وليس على مشهد من الناس.»
فقال الحجاج: «أتشترط علينا؟» ثم التفت إلى الجلاد وصرخ فيه قائلا: «اقتله يا جلاد وإلا قتلتك!»
فعاد الجلاد إلى حسن وهم بجذبه، فقال حسن: «لا تجذبني هكذا فما أنا بخائف من الموت ، رغم أني واثق ببراءتي.» قال ذلك ومشى نحو الباب.
وفيما هما يهمان بالخروج، علا صوت قعقعة وسمع الحاضرون معها قائلا يقول: «البريد ... البريد ... بريد أمير المؤمنين.»
وكان عادة الولاة إذا جاء البريد ألا يمنعوه أو يؤخروه لحظة واحدة فلما سمع الحجاج بوصوله صاح قائلا: «أدخلوه.»
ولم يتم كلامه حتى دخل عليه رجل كهل قد أنهكه التعب وتعفرت ثيابه، فترامى عند قدميه وسلم إليه كتابا مختوما. وكان حسن مشغولا بنفسه عن كل تلك المشاهد ولكن عينه ما كادت تقع على ذلك الكهل حتى بغت؛ إذ عرف أنه صديقه أبو سليمان، وتذكر أنه كان قد أرسله إلى خالد بن يزيد في الشام ليأتي منه بكتاب في شأن رملة إلى ابن الزبير، فهم باستئذان الحجاج في كلمة يقولها لذلك الرجل قبل قتله، ليكلفه إبلاغ خالد رضاء ابن الزبير وأن رملة في انتظاره لتزف إليه فيكون قد أتم مهمته قبل موته.
ورفع حسن وجهه إلى الحجاج فرآه تناول الكتاب ونظر إلى خاتم الخلافة على ظاهره، ثم قبله ووقف تعظيما للخلافة. ثم نظر إلى الرجل الذي حمله وقال له بعد أن تفرس فيه: «من أين لك هذا الكتاب؟ أأنت من عمال البريد؟»
فقال أبو سليمان: «لست منهم يا مولاي. ولكنهم حملوني على دواب البريد تعجيلا بإبلاغ هذه الرسالة.» قال ذلك وهو يلهث وصوته يتقطع ويتلجلج من التعب والخوف.
ففض الحجاج خاتم الكتاب وفتحه، وجعل يعيد قراءته ويتثاءب ويحك شفتيه بإصبعه ويعبث بشعر لحيته وقد ظهر التأثر في عينيه. ثم أخذ ينظر إلى حسن ويتفرس فيه ثم يعود إلى قراءة الكتاب ويتأمل ختمه ويقلبه بين يديه، كل هذا وأبو سليمان ما زال مستلقيا عند قدميه وهو يلهث من التعب وينظر إلى وجه حسن كأنه لم يعرفه وحسن ينظر في وجهه، وكلهم ينتظرون ما يبدو من الحجاج بعد تلاوة ذلك الكتاب.
وأخيرا، أشار الحجاج إلى الجلاد بالانصراف فانصرف، ثم صرف بقية الحاضرين ولم يبق في الخيمة إلا هو وحسن وأبو سليمان. فالتفت إلى حسن وقال: «هذا كتاب من أمير المؤمنين جاءني بما كنت تبغيه أنت. ووالله لولا حرمة الخليفة لم يكن في الأرض من ينجيك من القتل.»
ناپیژندل شوی مخ