وقريش. وذكر هذه الوقعة يؤلمني؛ لأن الغلبة فيها كانت للقرشيين، وقتل من المسلمين سبعون رجلا وأصيب النبي بجراح وقتل عمه حمزة.»
قالت سمية: «وهل شهدت تلك الوقعة؟»
قالت: «كلا، فقد حدثت منذ سبعين سنة فكيف أشهدها؟!» ثم عادت إلى إتمام كلامها عن تلك المناظر فقالت: «وإني ليعجبني مناظر المياه حوالي غروب الشمس، انظري إلى هذه البحيرة فإن ماءها ساكن كأنه صفحة من الفضة اللامعة، وظلال النخيل تتراءى على شواطئها مقلوبة كأنها مردة من الجان غائصون في الماء.»
وكانت الشمس لما دنت من المغيب قد أرسلت أشعتها منحرفة على تلك المغارس، فاستطالت ظلال النخيل، وما زالت تستطيل وتضعف حتى اختلطت بالظلام.
وأما سمية فكانت تساير عزة فيما تقول وبصرها شائع في تلك البحيرة بالرغم عنها، والبصر إذا أطلق سراحه يطلب النور. وكان سطح البحيرة بعد أن غابت الشمس ما زال يلمع بفعل انعكاس الشفق عليه، وظلال النخيل فيه واضحة عليه وضوح الخطوط السود على الصفحة البيضاء. وبعد قليل لم يعد يظهر للرائي غير سطوح المياه وما يبدو فيها من ظلال الأشجار. •••
اشتغلت عزة وسمية عن الطعام والكلام بالتأمل في ذلك المنظر البديع ثم همت عزة بالطعام ودعت سمية إلى مشاركتها فيه، وجعلت تقطع من لحم الدجاج وتناولها فتأكل وعيناها شاخصتان إلى تلك المناظر، ثم عادت عزة إلى محادثتها فقالت لها: «ما لي أراك صامتة يا سمية؟ هل تفكرين في تأخر عودتك وتخافين أن ينقم عليك أبوك لهذا؟ إنه إذا علم أنك عند عزة فلن يلومك.»
وتوقعت عزة أن تسمع من سمية جوابا، ولكنها رأتها تحدق النظر في تلك البحيرة، وآنست في وجهها بغتة وقد توقفت عن المضغ واللقمة لا تزال في فمها، وقطبت حاجبيها وحددت بصرها، فأعادت عزة سؤالها، فأجابتها سمية وهي تشير بيدها إلى البحيرة: «كأني أرى النخيل تنتقل في الماء ... ما هذا ...؟ ماذا أرى؟»
فالتفتت عزة إلى جهة البحيرة فرأت ظلالا تتحرك في الماء بين ظلال النخيل، ولكنها لم تر الأشباح على الجرف؛ لأن الظلام حجبها، بينما انعكاس الشفق على سطح الماء أبداها فقالت: «إنك ترين ظل شبح سائر بجانب البحيرة.» وتفرست عزة قليلا ثم قالت: «إن الذي نراه ظل شبحين أظنهما فارسين مارين بين النخيل على حافة الجرف، لا بل هما جملان وعليهما رجلان. أليس كذلك؟»
قالت سمية: «بلى، هما جملان. ويخيل إلي أنهما ماشيان على سطح الماء!»
فضحكت عزة وقالت: «إنك ترين ظليهما يا بنية، وأرى الآن شبحا ثالثا أظنه جملا ثالثا.» ولم يمض قليل حتى توارت الأشباح فقالت عزة: «لا تقلقي، ليس ما ترين إلا أناسا أظنهم قادمين إلى المدينة من دمشق، وما هذه أول مرة رأيت مثل هذا المنظر، فعودي إلى طعامك فقد برد الهواء وانفثأت حمأة القيظ، ومتى فرغنا من الطعام أسمعك صوتا تلقنته عن أستاذتي رائقة.»
ناپیژندل شوی مخ