قال: «وسمية؟! ألا أستطيع رؤيتها الآن؟ خذيني معك بوصفي خادما لك أو تابعا أو أي شيء لأرى سمية.»
فرق له قلب ليلى وقالت له: «سر في أثري حتى ندخل مضرب خيام النساء واجعل كأنك تحمل لي هذا الجراب حتى تضعه في الخيمة التي نحن سائرون إليها، ومتى وصلنا أدبر لك حيلة لمشاهدتها ومخاطبتها.»
فرقص قلبه فرحا ونسي كل خطر في سبيل شوقه لرؤية حبيبته. وبعد هنيهة وصلا إلى خباء له عدة أبواب وحوله خيام أخرى صغيرة، فعلم أنه خباء أهل الحجاج، وقالت ليلى: «امكث تحت هذه النخلة ومتى دعوتك فادخل.» وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، فجلس هناك وقلبه يدق وعيناه شائعتان.
ودخلت ليلى الخباء، وهو أقسام لكل امرأة قسم على عادة العرب في بناء الأخبية، فدخلت القسم الذي فارقت هندا فيه فرأتها وسمية جالستين لا تتكلمان. ولما رأتاها رحبتا بها، وآنست في وجه هند انقباضا فقالت: «ما لهند غضبى؟» فأجابت سمية بقولها: «من ذا الذي يقترب من النار ولا يحترق بها! إن ظلم هذا الجبار العاتي ليصل حتى إلى أهل بيته.»
وكانت ليلى تعلم ببغض هند للحجاج، فلم تستغرب ذلك، ولكنها اغتنمت الفرصة وأجابت سمية قائلة: «أراك تشكين من الحجاج وقساوته وأنت لم تعرفيه إلا بالأمس، وهو مغرم بك، ولا يكاد يصدق أنه حصل عليك.»
فقطعت كلامها وقالت: «لم يحصل ولن يحصل على شيء بإذن الله.»
فقالت: «ولكن هذا بعيد وأنت في داره وبين يديه ليلا ونهارا.»
فأشارت بعينيها كأنها تكتم أمرا لا تريد أن تبوح به أمام هند. فاستغربت ليلى قولها وتظاهرت بأنها تريد مخاطبتها في شأن فدخلت بها إلى خيمتها الخاصة، فاستقبلتها أمة الله جارية سمية وكانت تهيئ الطعام، ثم خرجت من الخيمة لبعض شأنها. فلما خلا المكان قالت ليلى: «رأيتك تتوعدين الحجاج وتتبرئين منه وهو زوجك الشرعي، فضلا عما له من السلطان النافذ عليك، فكيف تقولين إنه لم يحصل على شيء؟!»
وكانت سمية قد جلست على حصير من سعف النخل، وبين يديها وسادة تتشاغل بإصلاح ثنياتها وهي تسمع كلام ليلى. فلما سمعت سؤال ليلى بدت الحيرة على وجهها وامتقع لونها امتقاعا شديدا وبقيت تنظر إلى الأرض وليلى تفكر في ذلك وتستغربه ولا تعلم سبب هذا الانفعال فقالت: «ما لي أرى سمية ساكتة لا تجيبني عن سؤالي؟ كيف تقولين إنه لم يحصل عليك وأنت بين يديه؟»
فرفعت سمية رأسها وقد بدا التأثر في عينيها وشفتيها وقالت: «صدقيني يا ليلى، إنه لن يحصل مني على شيء رغم عقد قرانه بي. ولم يكن ذلك تفضلا منه ولكنه أجبر عليه لقسم سبق به لسانه. وأما كونه لن يحصل على فقد أعددت وسيلة أنجو بها منه إلى حبيبي ...» قالت ذلك وشرقت بريقها فاختنق صوتها فأرسلت دموعها وهي صامتة لا تشهق ولا تتكلم، فازداد عطف ليلى عليها، ولكنها استغربت ما سمعته منها عن الوسيلة التي أعدتها للنجاة. فقالت: «وأي وسيلة أعددت؟ وأين هو حسن الآن؟»
ناپیژندل شوی مخ