اعلم أن المريد لأحد النسكين تحرم عليه المجاوزة للميقات إلى الحرم بغير إحرام إجماعا. وأما من لا يريد أيهما ففيه خلاف؛ فعند الجمهور أنها تحرم المجاوزة على ما سبق تفصيله. وعند الصادق والإمام الناصر وأبي العباس من العترة وأخير قولي الشافعي أنها لا تحرم، ولا يلزم الإحرام إلا القاصد لأحد النسكين. استدل الأولون بقوله تعالى: ? وإذا حللتم فاصطادوا ?، ولم يتقدم ذكر الإحرام، فدل على أن المجاوزة إنما هي بإحرام. كذا في البحر وغيره، وفيه ما لا يخفى. وأجيب بأنه قد تقدم تحريم الصيد عليهم في قوله تعالى: ? غير محلي الصيد وأنتم حرم ? ولا إحرام إلا عن أحد النسكين، وأخبر بإباحته لهم إذا حلوا فلا دليل في الآية على المطلوب. واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يحل لأحد دخول مكة بغير إحرام ، ورخص فيه للحطابين... رواه في الشفاء وغيره. قال ابن حجر في التلخيص، حديث ابن عباس أخرجه البيهقي من حديثه نحوه، وإسناده جيد. ورواه ابن عدي من وجهين ضعيفين، وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها. وفي إسناده طلحة بن عمرو وفيه ضعف. وأجيب بأن المرفوع ضعيف، والموقوف اجتهاد، فلم يثبت دليل التحريم. واستدل المجيز بدخول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح بغير إحرام. وما في الأخبار من اختصاص الحل به صلى الله عليه وآله وسلم، فالمراد حل القتال كما هو ظاهر في السياق والألفاظ، لا المجاوزة فلم يجر لها ذكر، فهي باقية على الأصل، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين الداخلين لحوايجهم إلى مكة المشرفة بالإحرام، كما في قصة الحجاج بن علاط وأبي قتادة لما عقر الوحش داخل الميقات وهو حلال. وأخرج في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم. وفي الجامع الكافي روى محمد بن منصور بإسناده عن محمد بن علي وعمرو بن دينار أنهما خرجا إلى أرضهما خارج الحرم، ثم دخلا مكة بغير إحرام. وروى فيه عن ابن عمر أنه دخل مكة بغير إحرام.
مخ ۲۳